ويلغو بذلك القول بالنبوة والتوحيد إذ لا اثر للايمان بالله ورسله والتدين بالدين لولا الاعتقاد بالمعاد، قال تعالى: (فاعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد الا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله) النجم: 30.
وقوله: (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) أي أسرعنا في اعطائه ما يريده في الدنيا لكن لا باعطائه ما يريده بل باعطائه ما نريده فالامر إلينا لا إليه والأثر لإرادتنا لا لإرادته، ولا باعطاء ما نعطيه لكل من يريد بل لمن نريد فليس يحكم فينا إرادة الاشخاص بل ارادتنا هي التي تحكم فيهم.
وارادته سبحانه الفعلية لشئ هو اجتماع الأسباب على كينونته وتحقق العلة التامة لظهوره فالآية تدل على أن الانسان وهو يريد الدنيا يرزق منها على حسب ما يسمح له الأسباب والعوامل التي اجراها الله في الكون وقدر لها من الآثار فهو ينال شيئا مما يريده ويساله بلسان تكوينه لكن ليس له الا ما يهدى إليه الأسباب والله من ورائهم محيط.
وقد ذكر الله سبحانه هذه الحقيقة بلسان آخر في قوله: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤن وزخرفا وان كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) الزخرف:
35 أي لولا أن الناس جميعا يعيشون على نسق واحد تحت قانون الأسباب والعلل، ولا فرق بين الكافر والمؤمن قبال العلل الكونية بل من صادفته أسباب الغنى والثروة أثرته وأغنته مؤمنا كان أم كافرا، ومن كان بالخلاف فبالخلاف، خصصنا الكفار بمزيد النعم الدنيوية إذ ليس لها عندنا قدر ولا في سوق الآخرة من قيمة.
وذكر بعضهم: ان المراد بإرادة العاجلة ارادتها بعمله وهو ان يريد بعمله الدنيا دون الآخرة فهو محروم من الآخرة، وهو تقييد من غير مقيد، ولعله اخذه من قوله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة الا النار) هود: 16 لكن الآيتين مختلفتان غرضا فالغرض فيما نحن فيه بيان ان مريد الدنيا لا ينال الا منها، والغرض من آية سورة