فلو دلت على أن التمسك بالظن غير جائز لدلت على أن التمسك بها غير جائز فالقول بحجيتها يقضى إلى نفيه وهو غير جائز.
وفيه ان الآية تدل على عدم جواز اتباع غير العلم بلا ريب غير أن موارد العمل بالظن شرعا موارد قامت عليها حجة علمية فالعمل فيها بالحقيقة انما هو عمل بتلك الحجج العلمية والآية باقية على عمومها من غير تخصص، ولو سلم فالعمل بالعام المخصص فيما بقى من الافراد سالمة عن التخصيص عمل بحجة عقلائية نظير العمل بالعام غير المخصص من غير فرق بينهما البتة.
ونظيره الاستشكال فيها بان الطريق إلى فهم المراد من الآية هو ظهورها، والظهور طريق ظني فلو دلت الآية على حرمة اتباع غير العلم لدلت على حرمة الاخذ بظهور نفسها، ولازمها حرمة العمل بنفسها.
ويرده ما تقدمت الإشارة إليه ان اتباع الظهور اتباع لحجة علمية عقلائية وهى بناء العقلاء على حجيته فليس اتباعه من اتباع غير العلم بشئ.
وقوله: (ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا) تعليل للنهي السابق في قوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم).
والظاهر المتبادر إلى الذهن، ان الضميرين في (كان عنه) راجعان إلى (كل) فيكون (عنه) نائب فاعل لقوله: (مسؤلا) مقدما عليه كما ذكره الزمخشري في الكشاف أو مغنيا عن نائب الفاعل، وقوله: (أولئك) إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد، وانما عبر عنها بأولئك المختص بالعقلاء لان كون كل منها مسؤلا عنه يجريه مجرى العقلاء وهو كثير النظير في كلامه تعالى.
وربما منع بعضهم كون (أولئك) مختصا بالعقلاء استنادا إلى قول جرير:
ذم المنازل بعد منزله اللوى والعيش بعد أولئك الأيام وعلى ذلك فالمسؤول هو كل من السمع والبصر والفؤاد يسال عن نفسه فيشهد للانسان أو عليه كما قال تعالى: (وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) يس: 65.