خسروا بالتطفيف ونقص الكيل والوزن فقد اختلت عليهم الحياة من الجهتين جميعا، وارتفع الامن العام من بينهم.
وأما إذا أقيم الوزن بالقسط فقد اطل عليهم الرشد واستقامت أوضاعهم الاقتصادية بإصابة الصواب فيما قدروا عليه معيشتهم واجتلب وثوقهم إلى أهل السوق واستقر بينهم الامن العام.
قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا) القراءة المشهورة (لا تقف) بسكون القاف وضم الفاء من قفا يقفو قفوا إذا اتبعه ومنه قافية الشعر لكونها في آخر المصراع تابعة لما تقدمها، وقرئ (لا تقف) بضم القاف وسكون الفاء من قاف بمعنى قفا، ولذلك نقل عن بعض أهل اللغة ان قاف مقلوب قفا مثل جبذ مقلوب جذب، ومنه القيافة بمعنى اتباع اثر الاقدام.
والآية تنهى عن اتباع ما لا علم به، وهى لاطلاقها تشمل الاتباع اعتقادا وعملا، وتتحصل في مثل قولنا: لا تعتقد ما لا علم لك به ولا تقل ما لا علم لك به ولا تفعل ما لا علم لك به لان في ذلك كله اتباعا.
وفي ذلك امضاء لما تقضى به الفطرة الانسانية وهو وجوب اتباع العلم والمنع عن اتباع غيره فان الانسان بفطرته الموهوبة لا يريد في مسير حياته باعتقاده أو عمله الا إصابة الواقع والحصول على ما في متن الخارج والمعلوم هو الذي يصح له ان يقول:
انه هو، واما المظنون والمشكوك والموهوم فلا يصح فيها اطلاق القول بأنه هو فافهم ذلك.
والانسان بفطرته السليمة يتبع في اعتقاده ما يراه حقا ويجده واقعا في الخارج، ويتبع في عمله ما يرى نفسه مصيبا في تشخيصه، وذلك فيما تيسر له ان يحصل العلم به، واما فيما لا يتيسر له العلم به كالفروع الاعتقادية بالنسبة إلى بعض الناس وغالب الأعمال بالنسبة إلى غالب الناس فان الفطرة السليمة تدفعه إلى اتباع علم من له علم بذلك وخبرة باعتبار علمه وخبرته علما لنفسه فيؤل اتباعه في ذلك بالحقيقة اتباعا لعلمه بان له علما