وقد تبين ان الآية تنهى عن الاقدام على أمر مع الجهل به سواء كان اعتقادا مع الجهل أو عملا مع الجهل بجوازه ووجه الصواب فيه أو ترتيب اثر لأمر مع الجهل به وذيلها يعلل ذلك بسؤاله تعالى السمع والبصر والفؤاد، ولا ضير في كون العلة أعم مما عللتها فان الأعضاء مسؤولة حتى عما إذا أقدم الانسان مع العلم بعدم جواز الاقدام قال تعالى: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) الآية.
قال في المجمع في معنى قوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم): معناه لا تقل:
سمعت ولم تسمع ولا رأيت ولم تر ولا علمت ولم تعلم عن ابن عباس وقتادة، وقيل:
معناه لا تقل في قفا غيرك كلاما أي إذا مر بك فلا تغتبه عن الحسن، وقيل: هو شهادة الزور عن محمد بن الحنفية.
والأصل انه عام في كل قول أو فعل أو عزم يكون على غير علم فكأنه سبحانه قال: لا تقل الا ما تعلم أنه يجوز ان يقال، ولا تفعل الا ما تعلم أنه يجوز ان يفعل ولا تعتقد الا ما تعلم أنه مما يجوز ان يعتقد انتهى.
وفيه ان الذي ذكره أعم مما تفيده الآية فإنها تنهى عن اقتفاء ما لا علم به لا عن الاقتفاء الا مع العلم والثاني أعم من الأول فإنه يشمل النهى عن الاقتفاء مع العلم بعدم الجواز لكن الأول انما يشمل النهى عن الاقتفاء مع الجهل بوجه الاعتقاد أو العمل:
واما ما نقله من الوجوه في أول كلامه فالاحرى بها ان يذكر في تفسير التعليل بعنوان الإشارة إلى بعض المصاديق دون المعلل.
قوله تعالى: (ولا تمش في الأرض مرحا انك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) المرح شدة الفرح بالباطل - كما قيل - ولعل التقييد بالباطل للدلالة على خروجه عن حد الاعتدال فان الفرح الحق هو ما يكون ابتهاجا بنعمة من نعم الله شكرا له وهو لا يتعدى حد الاعتدال، وأما إذا فرح واشتد منه ذلك حتى خف عقله وظهر آثاره في أفعاله وأقواله وقيامه وقعوده وخاصة في مشيه فهو من الباطل.
وقوله: (ولا تمش في الأرض مرحا) نهى عن استعظام الانسان نفسه بأكثر مما هو عليه لمثل البطر والاشر والكبر والخيلاء، وانما ذكر المشي في الأرض مرحا لظهور ذلك فيه.