ويظهر من قوله في الآية: (ذرية من حملنا مع نوح) ومن قوله: (وجعلنا ذريته هم الباقين) ان الناس ذرية نوح عليه السلام من جهة الابن والبنت معا، ولو كانت الذرية منتهية إلى أبنائه فقط وكان المراد بقوله: (من حملنا مع نوح) أبناؤه فقط كان الأحسن بل المتعين ان يقال: ذرية نوح وهو ظاهر.
وللقوم في اعراب الآية وجوه أخرى كثيرة كقول من قال: ان (ذرية) منصوب على النداء بحذف حرفه، والتقدير يا ذرية من حملنا، وقيل: مفعول أول لقوله:
تتخذوا ومفعوله الثاني قوله: (وكيلا) والتقدير ان لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلا من دوني، وقيل: بدل من موسى في الآية السابقة وهى وجوه ظاهرة السخافة.
ويتلوها في ذلك قول من قال: ان ضمير (انه) عائد إلى موسى دون نوح والجملة تعليل لايتائه الكتاب أو لجعله عليه السلام هدى لبني إسرائيل بناء على رجوع ضمير (وجعلناه) إلى موسى دون الكتاب.
قوله تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا) قال الراغب في المفردات: القضاء فصل الامر قولا كان ذلك أو فعلا، وكل واحد منهما على وجهين: الهى وبشرى فمن القول الإلهي قوله: (وقضى ربك الا تعبدوا الا إياه) أي أمر بذلك، وقال: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) فهذا قضاء بالأعلام والفصل في الحكم أي أعلمناهم وأوحينا إليهم وحيا جزما وعلى هذا (وقضينا إليه ذلك الامر ان دابر هؤلاء مقطوع).
ومن الفعل الإلهي قوله: (والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ) وقوله: (فقضاهن سبع سماوات في يومين) إشارة إلى ايجاده الابداعي والفراغ منه نحو: (بديع السماوات والأرض).
قال: ومن القول البشرى نحو قضى الحاكم بكذا فان حكم الحاكم يكون بالقول، ومن الفعل البشرى (فإذا قضيتم مناسككم) (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم) انتهى موضع الحاجة.
والعلو هو الارتفاع وهو في الآية كناية عن الطغيان بالظلم والتعدي ويشهد بذلك عطفه على الافساد عطف التفسير، وفي هذا المعنى قوله: ان فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا).