الحروف المقطعة جميع الكلام مع عدم تناهي التأليفات الكلامية التزام بوجود صور الحوادث فيه بالقوة والامكان أو الاجمال وكلامه سبحانه فيما يصف فيه هذا اللوح كالصريح أو هو صريح في اشتماله على الأشياء والحوادث مما كان أو يكون أو هو كائن بالفعل وعلى نحو التفصيل وبسمة الوجوب الذي لا سبيل للتغير إليه، ولو كان كذلك لكفى فيه كتابة حروف التهجة في دائرة على لوح.
على أن الجمع بين جسمية اللوح وماديته التي من خاصتها قبول التغير وبين كونه محفوظا من اي تغير وتحول مفروض مما يحتاج إلى دليل اجلى من هذه التصويرات، وفي الكلام مواقع أخرى للنظر.
فالحق ان الكتاب المبين هو متن (1) الأعيان بما فيه من الحوادث من جهة ضرورة ترتب المعلولات على عللها، وهو القضاء الذي لا يرد ولا يبدل لا من جهة امكان المادة وقوتها والتعبير عنه بالكتاب واللوح لتقريب الافهام إلى حقيقة المعنى بالتمثيل، وسنستوفي الكلام في هذا البحث إن شاء الله في موضع يناسبه.
قوله تعالى: " وما منعنا أن نرسل بالآيات الا ان كذب بها الأولون " إلى آخر الآية قد تقدم وجه اتصال الآية بما قبلها ومحصله ان الآية السابقة أفادت ان الناس - وآخروهم كأوليهم - مستحقون بما فيهم من غريزة الفساد والفسق لحلول الهلاك وسائر أنواع العذاب الشديد، وقد قضى الله على القرى ان تهلك أو تعذب عذابا شديدا وهذا هو الذي منعنا ان نرسل بالآيات التي يقترحونها فإن السابقين منهم اقترحوها فأرسلناها إليهم فكذبوا بها فأهلكناهم، وهؤلاء اللاحقون في خلق سابقيهم فلو أرسلنا بالآيات حسب اقتراحهم لكذبوا بها فحل الهلاك بهم لا محالة كما حل بسابقيهم، وما يريد الله سبحانه ان يعاجلهم بالعقوبة.
وبهذا يظهر ان للآيتين ارتباطا بما سيحكيه من اقتراحهم الآيات بقوله: " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا: الآية 90 من السورة إلى آخر الآيات، وظاهر آيات السورة انها نزلت دفعة واحدة.