النجاة نجاهم إلى البر وهم معترفون بذلك، ولئن دعاه المسلمون على هذا النمط عن جد في الدعاء وانقطاع إليه كان حالهم في البر حال غيرهم وهم في البحر ولم يخيبوا ولا ردوا.
ولم يقابل سبحانه في كلامه بين دعائهم آلهتهم ودعاء المسلمين لإلههم حتى يعارض باشتراك الدعاءين في الرد وعدم الاستجابة وإنما قابل بين دعاء المشركين لآلهتهم وبين دعائهم أنفسهم له سبحانه في البحر عند انقطاع الأسباب وضلال كل مدعو من دون الله.
ومن لطيف النكتة في الكلام إلقاؤه سبحانه الحجة إليهم بواسطة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: قل " ادعوا الذين زعمتم من دونه " ولو ناقشه المشركون بمثل هذه المعارضة لدعا ربه عن انقطاع وإخلاص فاستجيب له.
قوله تعالى: " أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب " إلى آخر الآية " أولئك " مبتدء و " الذين " صفة له و " يدعون " صلته ضميره عائد إلى المشركين، و " يبتغون " خبر " أولئك " وضميره وسائر ضمائر الجمع إلى آخر الآية راجعة إلى " أولئك " وقوله: " أيهم أقرب " بيان لابتغاء الوسيلة لكون الابتغاء فحصا وسؤالا في المعنى هذا ما يعطيه السياق.
والوسيلة على ما فسروه هي التوصل والتقرب، وربما استعملت بمعنى ما به التوصل والتقرب ولعله هو الأنسب بالسياق بالنظر إلى تعقيبه بقوله: " أيهم أقرب ".
والمعنى - الله أعلم - أولئك الذين يدعوهم المشركون من الملائكة والجن والانس يطلبون ما يتقربون به إلى ربهم يستعلمون أيهم أقرب: حتى يسلكوا سبيله ويقتدوا بأعماله ليتقربوا إليه تعالى كتقربه ويرجون رحمته من كل ما يستمدون به في وجودهم ويخافون عذابه فيطيعونه ولا يعصونه ان عذاب ربك كان محذورا يجب التحرز منه.
والتوسل إلى الله ببعض المقربين إليه - على ما في الآية الكريمة قريب منه قوله " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة: المائدة: " - غير ما يرومه المشركون من الوثنيين فإنهم يتوسلون إلى الله ويتقربون بالملائكة الكرام والجن والأولياء