فلم يبين سبحانه ما هذه الرؤيا التي أراها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقع في سائر كلامه ما يصلح لان يفسر به هذه الرؤيا، والذي ذكره من رؤياه في مثل قوله: " إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم " الأنفال، 43 وقوله " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام الفتح 27 من الحوادث الواقعة بعد الهجرة وهذه الآية مكية نازلة قبل الهجرة.
ولا يدري ما هذه الشجرة الملعونة في القرآن التي جعلها فتنة للناس، ولا توجد في القرآن شجرة يذكرها الله ثم يلعنها نعم ذكر سبحانه شجرة الزقوم ووصفها بأنها فتنة كما في قوله " أم شجرة الزقوم انا جعلناها فتنة للظالمين الصافات 63 لكنه سبحانه لم يلعنها في شئ من المواضع التي ذكرها، ولو كان مجرد كونها شجرة تخرج في أصل الجحيم وسببا من أسباب عذاب الظالمين موجبا للعنها لكانت النار وكل ما أعد الله فيها للعذاب ملعونة ولكانت ملائكة العذاب وهم الذين قال تعالى فيهم: " وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا " المدثر: 31 ملعونين وقد أثنى الله عليهم ذاك الثناء البالغ في قوله: " عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون: التحريم: 6 وقد عد سبحانه أيدي المؤمنين من أسباب عذاب الكفار إذ قال: " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم " التوبة: 14 وليست بملعونة.
وبهذا يتأيد أنه لم يكن المراد بالآية الكشف عن قناع الفقرتين وإيضاح قصة الرؤيا والشجرة الملعونة في القرآن المجعولتين فتنة للناس بل إنما أريدت الإشارة إلى إجمالهما والتذكير بما يقتضيانه بحكم السياق.
نعم ربما يلوح السياق إلى بعض شأن الامرين: الرؤيا والشجرة الملعونة فإن الآيات السابقة كانت تصف الناس أن أخراهم كأولاهم وذيلهم كصدرهم في عدم الاعتناء بآيات الله سبحانه وتكذيبها، وأن المجتمعات الانسانية ذائقون عذاب الله قرية بعد قرية وجيلا بعد جيل بإهلاك أو بعذاب مخوف دون ذلك، والآيات اللاحقة " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم " الخ المشتملة على قصة إبليس وعجيب تسلطه على إغواء بني آدم تجري على سياق الآيات السابقة.