حصيات فسبحن في يده، وفي حديث أبي ذر: فوضعهن على الأرض فلم يسبحن وسكتن ثم عاد واخذهن فسبحن. ابن عباس قال: قدم ملوك حضرموت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا كيف نعلم أنك رسول الله؟ فأخذ كفا من حصى فقال: هذا يشهد انى رسول الله فسبح الحصا في يده وشهد أنه رسول الله.
وفيه أبو هريرة وجابر الأنصاري وابن عباس وأبي بن كعب وزين العابدين: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخطب بالمدينة إلى بعض الأجذاع فلما كثر الناس واتخذوا له منبرا وتحول إليه حن كما يحن الناقة - فلما جاء إليه وأكرمه كان يئن انين الصبي الذي يسكت.
أقول: والروايات في تسبيح الأشياء على اختلاف أنواعها كثيرة جدا، وربما اشتبه أمرها على بعضهم فزعم أن هذا التسبيح العام من قبيل الأصوات، وان لعامة الأشياء لغة أو لغات ذات كلمات موضوعة لمعان نظير ما للانسان مستعملة للكشف عما في الضمير غير أن حواسنا مصروفة عنها وهو كما ترى.
والذي تحصل من البحث المتقدم في ذيل الآية الكريمة ان لها تسبيحا هو كلام بحقيقة معنى الكلام وهو اظهارها تنزه ربها باظهارها نقص ذاتها وصفاتها وافعالها عن علم منها بذلك، وهو الكلام فما روى من سماعهم تسبيح الحصى في كف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو سماع تسبيح الجبال والطير إذا سبح داود عليه السلام أو ما يشبه ذلك انما كان بادراكهم تسبيحها الواقعي بحقيقة معناه من طريق الباطن ثم محاكاة الحس ذلك بما يناظره ويناسبه من الألفاظ والكلمات الموضوعة لما يفيد ما ادركوه من المعنى.
نظير ذلك ما تقدم من ظهور المعاني المجردة عن الصورة في الرؤيا فيما يناسبه من الصور المألوفة كظهور حقيقة يعقوب وأهله وبنيه ليوسف عليهما السلام في رؤياه في صورة الشمس والقمر والكواكب ونظير سائر الرؤي التي حكاها الله سبحانه في سورة يوسف وقد تقدم البحث عنها.
فالذي يناله من ينكشف له تسبيح الأشياء أو حمدها أو شهادتها أو ما يشابه ذلك حقيقة المعنى اولا ثم يحاكيه الحس الباطن في صورة ألفاظ مسموعة تؤدي ما ناله من المعنى. والله أعلم.
وفي الدر المنثور: اخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم