" أن القوة لله جميعا " البقرة: 165 ويظهر به ان غيره إنما يقدر على ما يقدر باقداره ويملك ما يملك بتمليكه تعالى إياه فلا أحد مستقلا بالقدرة والملك الا هو، وما عند غيره تعالى من القدرة والملك مستعار منوط في تأثيره بالإذن والمشية.
وعلى هذا فلا سبيل إلى تنزيل الحجة في الآية على نفي قدرة آلهتهم من الملائكة والجن والانس من أصلها بل الحجة مبتنية على أن أولئك المدعوين غير مستقلين بالملك والقدرة، وأنهم فيما عندهم من ذلك كالداعين محتاجون إلى الله مبتغون إليه الوسيلة والدعاء انما يتعلق بالقدرة المستقلة بالتأثير والدعاء والمسألة ممن هو قادر بقدرة غيره مالك بتمليكه مع قيام القدرة والملك بصاحبهما الأصلي فهو في الحقيقة دعاء ومسألة ممن قام بهما حقيقة واستقلالا دون من هو مملك بتمليكه.
واما ما ذكره ان نفي قدرتهم مطلقا غير ظاهر الدليل فإنه أن قيل: ان الكفرة يتضرعون إليهم ولا يحصل لهم الإجابة، عورض بأنا نرى أيضا المسلمين يتضرعون إلى الله تعالى ولا يحصل لهم الإجابة، فقد أجاب الله سبحانه في كلامه عن مثل هذه المعارضة.
توضيح ذلك: انه تعالى قال وقوله الحق: " أجيب دعوة الداع إذا دعان " البقرة:
186 وقال: " ادعوني استجب لكم ": المؤمن: 60 فأطلق الكلام وافاد ان العبد إذا جد بالدعاء ولم يلعب به ولم يتعلق قلبه في دعائه الجدي الا به تعالى بأن انقطع عن غيره والتجأ إليه فإنه يستجاب له البتة ثم ذكر هذا الانقطاع في الدعاء والسؤال في ذيل هذه الآيات الذي كالمتمم لما في هذه الحجة بقوله: " وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون الا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم " الآية 67 من السورة فأفاد انكم عند مس الضر في البحر تنقطعون عن كل شئ إليه فتدعونه بهداية من فطرتكم فيستجيب لكم وينجيكم إلى البر.
ويتحصل من الجميع ان الله سبحانه إذا انقطع العبد عن كل شئ ودعاه عن قلب فارغ سليم فإنه يستجيب له وأن غيره إذا انقطع داعيه عن الله وسأله مخلصا فإنه لا يملك الاستجابة.
وعلى هذا فلا محل للمعارضة من قبل المشركين فإنهم لا يستجاب لهم إذا دعوا آلهتهم وهم أنفسهم يرون أنهم إذا مسهم الضر في البحر وانقطعوا إلى الله وسألوه