من الانس فيتركون عبادته تعالى ولا يرجونه ولا يخافونه، وانما يعبدون الوسيلة ويرجون رحمته ويخافون سخطه ثم يتوسلون إلى هؤلاء الأرباب والالهة بالأصنام والتماثيل فيتركونهم ويعبدون الأصنام ويتقربون إليهم بالقرابين والذبائح.
وبالجملة يدعون التقرب إلى الله ببعض عباده أو أصنام خلقه ثم لا يعبدون الا الوسيلة مستقلة بذلك ويرجونها ويخافونها مستقلة بذلك من دون الله فيشركون باعطاء الاستقلال لها في الربوبية والعبادة.
والمراد بأولئك الذين يدعون إن كان هو الملائكة الكرام والصلحاء المقربون من الجن والأنبياء والأولياء من الانس كان المراد من ابتغائهم الوسيلة ورجاء الرحمة وخوف العذاب ظاهره المتبادر، وان كان المراد بهم أعم من ذلك حتى يشمل من كانوا يعبدونه من مردة الشياطين وفسقة الانسان كفرعون ونمرود وغيرهما كان المراد بابتغائهم الوسيلة إليه تعالى ما ذكر من خضوعهم وسجودهم وتسبيحهم التكويني وكذا المراد من رجائهم وخوفهم ما لذواتهم.
وذكر بعضهم: ان ضمائر الجمع في الآية جميعا راجعة إلى أولئك والمعنى أولئك الأنبياء الذين يعبدونهم من دون الله يدعون الناس إلى الحق أو يدعون الله ويتضرعون إليه يبتغون إلى ربهم التقرب، وهو كما ترى.
وقال في الكشاف في معنى الآية: يعنى أن آلهتهم أولئك يبتغون الوسيلة وهي القربة إلى الله تعالى، و " أيهم " بدل من واو " يبتغون " وأي موصولة اي يبتغي من هو أقرب منهم وأزلف الوسيلة إلى الله فكيف بغير الأقرب؟
أو ضمن " يبتغون الوسيلة معنى يحرصون فكأنه قيل: يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله وذلك بالطاعة وازدياد الخير والصلاح ويرجون ويخافون كما غيرهم من عباد الله فكيف يزعمون أنهم آلهة. انتهى.
والمعنيان لا بأس بهما لولا أن السياق لا يلائمهما كل الملاءمة وثانيهما أقرب إليه من أولهما.
وقيل: إن معنى الآية أولئك الذين يدعونهم ويعبدونهم ويعتقدون أنهم آلهة يبتغون الوسيلة والقربة إلى الله تعالى بعبادتهم ويجتهد كل منهم ليكون أقرب من رحمته.