فقوله: " وما منعنا ان نرسل بالآيات " المنع هو قسر الغير عما يريد ان يفعله وكفه عنه، والله سبحانه يحكم ولا معقب لحكمه وهو الغالب القاهر إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، فكون تكذيب الأولين لاياته مانعا له من ارسال الآيات المقترحة بعد ذلك كون الفعل بالنظر إلى ما ارتكز فيهم من خلق التكذيب خاليا عن المصلحة بالنسبة إلى أمة أراد الله ان لا يعاجلهم بالعقوبة والهلاك أو خاليا عن المصلحة مطلقا للعلم بأن عامتهم لا يؤمنون بالآيات المقترحة.
وان شئت فقل: ان المنافاة بين ارسال الآيات المقترحة مع تكذيب الأولين وكون الآخرين سالكين سبيلهم المستتبع للاستئصال وبين تعلق المشية بامهال هذه الأمة عبر عنها في الآية بالمنع استعارة.
وكأنه للاشعار بذلك عبر عن إيتاء الآيات بالارسال كأنها تتعاضد وتتداعى للنزول لكن التكذيب وتعرق الفساد في فطر الناس يمنع من ذلك.
وقوله: " الا ان كذب بها الأولون " التعبير عن الأمم الهالكة بالأولين المضايف للآخرين فيه ايماء إلى أن هؤلاء آخر أولئك الأولين فهم في الحقيقة امه واحدة لاخرها من الخلق والغريزة ما لاولها، ولذيلها من الحكم ما لصدرها ولذلك كانوا يقولون:
" ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين " المؤمنون: 24 ويكررون ذكر هذه الكلمة.
وكيف كان فمعنى الآية انا لم نرسل الآيات التي يقترحونها - والمقترحون هم قريش - لأنا لو أرسلناها لم يؤمنوا وكذبوا بها فيستحقوا عذاب الاستئصال كما انا أرسلناها إلى الأولين بعد اقتراحهم إياها فكذبوا بها فأهلكناهم لكنا قضينا على هذه الأمة أن لا نعذبهم الا بعد مهلة ونظرة كما يظهر من مواضع من كلامه تعالى.
وذكروا في معنى الآية الكريمة وجهين آخرين:
أحدهما: أنا لا نرسل الآيات لعلمنا بأنهم لا يؤمنون عندها فيكون إنزالها عبثا لا فائدة فيه كما أن من قبلهم لم يؤمنوا عند إنزال الآيات وهذا إنما يتم في الآيات المقترحة وأما الآيات التي يتوقف عليها ثبوت النبوة فإن الله يؤتيها رسوله لا محالة وكذا الآيات التي في نزولها لطف منه سبحانه فإن الله يظهرها أيضا لطفا منه، وأما غير هذين