تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٤٣
ولعل هذه النكتة هي التي أوجبت تعقيب قوله كيف خلق الله السماوات والأرض بقوله ان يشأ يذهبكم الخ فقوله إن يشأ يذهبكم الخ في موضع البيان لما تقدمه والمعنى ألم تعلم أن الله خلق هذا الخلق المشهود عن عزة منه وغنى وانه ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك عليه تعالى بعزيز وهو الله عز اسمه له الأسماء الحسنى وكل العزة والكبرياء.
وبهذا يظهر ان وضع الظاهر في موضع المضمر في قوله على الله للدلالة على الحجة وان عدم عزة ذلك عليه تعالى من جهة كونه هو الله عز اسمه.
فان قلت لو كان الاتيان بقوله إن يشأ الخ للدلالة على غناه المطلق وعدم كونه لاعبا بالخلق لكان الأنسب الاقتصار على قوله إن يشأ يذهبكم وترك قوله ويأت بخلق جديد فان إذهاب القديم والاتيان بجديد لا ينفى اللعب لجواز ان يكون نفس اذهاب بعض واتيان بعض لعبا.
قلت هذا كذلك لو قيل إن يشأ يذهب جميع الخلق ويأت بخلق جديد ولكن لما قيل إن يشأ يذهبكم الخ والخطاب لعامة البشر أو لامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط أو للموجودين في عصره كان من اللازم ان يعقبه بقوله ويأت بخلق جديد فان هذا الخلق المشهود بما بين اجزائه من الارتباط والتعلق لا يتم الغرض منه إلا بهذه الصفة الموجودة والتركب والتألف الخاص ولو اذهب الناس على بقاء من السماوات والأرض بحالها الحاضرة كان ذلك باطلا ولعبا من جهة أخرى.
وبعبارة أخرى اذهاب الانسان فقط من غير اتيان بخلق جديد على ابقاء لسائر الخلق المشهود لعب باطل كما أن اذهاب الخلق من أصله من غير غاية مترتبة لعب باطل وانما الحق الذي يكشف عن غناه تعالى أن يذهب قوما ويأتي بآخرين وهو الذي تذكره الآية الكريمة فافهم ذلك.
قوله تعالى: " وبرزوا لله جميعا " إلى آخر الآية البروز هو الخروج إلى البراز بفتح الباء وهو الفضاء يقال برز إليه إذا خرج إليه بحيث لا يحجبه عنه حاجب ومنه المبارزة والبراز كخروج المقاتل من الصف إلى كفؤه من العدو.
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست