تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٣٣٩
قوله تعالى: " ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إن ما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون " قال في المفردات كل ما يحصل عوضا عن شئ فهو ثمنه انتهى.
والظاهر أن الآية نهي عن نقض العهد بعدما تقدم الامر بالوفاء به اعتناء بشأنه كما جرى مثل ذلك في نقض الايمان والآية مطلقة والمراد بعهد الله العهد الذي عوهد به الله مطلقا والمراد بالاشتراء به ثمنا قليلا بقرينة ذيل الآية أن يبدل العهد من شئ من حطام الدنيا فينقض لنيله فسمى المبدل منه ثمنا لأنه عوض كما تقدم والباقي ظاهر.
قوله: " ما عندكم ينفد وما عند الله باق " في مقام التعليل لقوله في الآية السابقة: " ما عند الله هو خير لكم " وقد وجهه بأن الذي عندكم أي في الحياة الدنيا التي هي حياة مادية قائمة على أساس التبدل والتحول منعوتة بنعت الحركة والتغير زائل نافد وما عند الله سبحانه مما يعد المتقين منكم باق لا يزول ولا يفنى والباقي خير من النافد بصريح حكم العقل.
واعلم أن قوله: " ما عندكم ينفد وما عند الله باق " على ما في لفظه من الاطلاق قاعدة كلية غير منقوضة باستثناء تحتها جزئيات كثيرة من المعارف الحقيقية.
قوله تعالى: " ولنجزين الذين صبروا اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " لما كان الوفاء بالعهد مستلزما للصبر على مر مخالفة هوى النفس في نقضه والاسترسال فيما تشتهيه صرف الكلام عن ذكر اجر خصوص الموفين بالعهد إلى ذكر اجر مطلق الصابرين في جنب الله.
فقوله ولنجزين الذين صبروا اجرهم وعد مؤكد على مطلق الصبر سواء كان صبرا على الطاعة أو عن المعصية أو عند المصيبة غير أنه يجب ان يكون صبرا في جنب الله ولوجه الله فان السياق لا يساعد على غيره.
وقوله بأحسن ما كانوا يعملون الباء للمقابلة كما في قولنا بعت هذا بهذا وليس المراد بأحسن ما كانوا يعملون الأحسن من أعمالهم في مقابل الحسن منها بان يميز الله سبحانه بين أعمالهم الحسنة فيقسمها إلى حسن وأحسن ثم يجزيهم بأحسنها ويلغى الحسن كما ذكره بعضهم فان المقام لا يؤيده وآيات الجزاء تنفيه والرحمة الواسعة الإلهية تأباه.
(٣٣٩)
مفاتيح البحث: النهي (1)، الصبر (3)، الجنابة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»
الفهرست