وقوله " وعلى الله فليتوكل المتوكلون كلام مبنى على الترقي أي كل من تلبس بالتوكل فعليه ان يتوكل على الله سواء كان مؤمنا أو غير مؤمن إذ لا دليل غيره غير إن المتوكل بحقيقة التوكل لا يكون الا مؤمنا فإنه مذعن ان الامر كله لله فلا يسعه الا أن يطيعه فيما يأمر وينتهى عما ينهى ويرضى بما رضى به ويسخط عما سخط عنه وهذا هو الايمان.
قوله تعالى: " وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا أو لتعودن في ملتنا " هذا تهديد منهم بعد ما عجزوا في مناظرتهم وخسروا في محاجتهم والخطاب في قولهم لنخرجنكم الخ للرسل والذين آمنوا معهم فما كانوا ليرضوا ان يعود الرسل في ملتهم ويبقى اتباعهم على دين التوحيد على أن الله سبحانه صرح بذلك في قصص بعضهم كقوله في شعيب: " قال الملا الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا " الأعراف: 88.
وقوله أو لتعودن في ملتنا عاد من الافعال الناقصة بمعنى الصيرورة وهى الحيلولة من حال إلى حال سواء كان عليها سابقا أو لا ومن الدليل عليه كما قيل قوله في ملتنا ولو كان بمعنى الرجوع إلى ما كان لتعين ان يقال إلى ملتنا.
ومن هنا يظهر فساد ما قيل إن ظاهر الآية ان الرسل كانوا قبل الرسالة في ملتهم فكلفهم الكفار ان يعودوا إلى ما كانوا عليه.
على أن خطابهم لم يكن للرسل خاصة بل لهم ولمن آمن بهم ممن كان على ملة الكفار من قبل فالخطاب لهم ولرسلهم بالعود إلى ملتهم على تقدير كون العود بمعنى الرجوع انما هو من باب التغليب.
ومن لطيف الصناعة في الآية دخول لام القسم ونون التأكيد على طرفي الترديد لنخرجنكم أو لتعودن مع إن أو للاستدراك وتفيد معنى الاستثناء ولا معنى لان يقال الا ان تعودوا والله في ملتنا الا ان عودهم لما كان باجبار من الكفار كان في معنى الإعادة وعاد قوله لتعودن طرف الترديد وصح دخول اللام والنون وآل المعنى إلى قولنا والله لنخرجنكم من ارضنا أو نعيدنكم في ملتنا.