تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٣
والآية مطلقة لا دليل على اختصاص ما فيها من الوعد والوعيد بالدنيا ولا بالآخرة وتأثير الايمان والكفر والتقوى والفسق في شؤون الحياة الدنيا والآخرة معا معلوم من القرآن.
وقد استدل بالآية على وجوب شكر المنعم والحق ان الآية لا تدل على أزيد من أن الكافر على خطر من كفره فان الله سبحانه لم يصرح بفعلية العذاب على كل كفر إذ قال ولئن كفرتم ان عذابي لشديد ولم يقل لأعذبنكم.
قوله تعالى: " وقال موسى ان تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فان الله لغنى حميد " لما أمر تعالى بشكر نعمه بذكر ما تأذن به من الزيادة على الشكر والعذاب على الكفر على ما تقتضيه العزة المطلقة ذكر في تأييده من كلام موسى عليه السلام ما يجرى مجرى التنظير فقال وقال موسى والكلام جار على هذا النمط إلى تمام عشر آيات.
واما ان الله غنى وان كفر من في الأرض جميعا فإنه غنى بالذات عن كل شئ فلا ينتفع بشكر ولا يتضرر بكفر وانما يعود النفع والضرر إلى الانسان فيما اتى به واما انه حميد فلان الحمد هو اظهار الحامد بلسانه ما لفعل المحمود من الجمال والحسن وفعله تعالى حسن جميل من كل جهة فهو جميل ظاهر الجمال يمتنع خفاؤه واخفاؤه فهو تعالى محمود سواء حمده حامد باللسان أو لم يحمد.
على أن كل شئ يحمده بتمام وجوده حتى الكافر بنعمته كما قال تعالى: " وان من شئ الا يسبح بحمده " الاسراء: 44 فهو تعالى محمود سواء حمده الناس بألسنتهم أو لم يحمدوه وله كل الحمد سواء قصد به هو أو قصد به غيره.
قوله تعالى: " ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود " إلى آخر الآية من كلام موسى عليه السلام يذكر قومه من أيام الله في الأمم الماضين ممن فنيت اشخاصهم وخمدت أنفاسهم وعفت آثارهم وانقطعت اخبارهم فلا يعلمهم بحقيقة حالهم تفصيلا الا الله كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم.
ومن هنا يعلم اولا ان المراد بالنبأ في قوله: " ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»
الفهرست