تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٣٣
والآية ظاهرة في أن الرسل عليهم السلام لم يدعوا امتناع اتيانهم بالآية المعجزة المسماة سلطانا مبينا وانما ادعوا امتناع ان يستقلوا بذلك من غير حاجة فيه إلى اذن الله سبحانه واحتجوا على ذلك اولا وثانيا.
قوله تعالى: " وما لنا الا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون " ما استفهامية والاستفهام للانكار وقوله وقد هدانا سبلنا حال من الضمير في لنا وسبل الأنبياء والرسل الشرائع التي كانوا يدعون إليها قال تعالى: " قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة " يوسف: 108 والمعنى ما الذي نملكه من العذر في أن لا نتوكل على الله والحال انه تعالى هدانا سبلنا ولم يكن لنا صنع في هذه النعمة والسعادة التي من بها علينا فإذا كان سبحانه فعل بنا هذا الفعل الذي هو كل الخير فمن الواجب ان نتوكل عليه في سائر الأمور.
وهذا في الحقيقة حجة ثانية على وجوب التوكل عليه والقاء الزمام إليه سلك فيها من طريق الآثار الدالة على وجوب التوكل عليه كما أن الحجة السابقة سلك فيها من النظر في نفس المؤثر وتقرير الحجة ان هدايته تعالى ايانا إلى سبلنا دليل على وجوب التوكل عليه لأنه لا يخون عباده ولا يريد بهم الا الخير ومع وجود الدليل على التوكل لا معنى لوجود دليل على عدم التوكل يكون عذرا لنا فيه فلا سبيل لنا إلى عدم التوكل عليه تعالى.
فقوله تعالى: " وعلى الله فليتوكل المؤمنون " يجرى مجرى اللم وقوله وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا مجرى الآن فتدبر في هذا البيان العذب والاحتجاج السهل الممتنع الذي قدمه القرآن الكريم إلى متدبريه في أوجز لفظ.
وقوله ولنصبرن على ما آذيتمونا من تفريع الصبر على ما بين من وجوب التوكل عليه أي إذا كان من الواجب ان نتوكل عليه ونحن مؤمنون به وقد هدانا سبلنا فلنصبرن على ايذائكم لنا في سبيل الدعوة إليه المتوكلين عليه حتى يحكم بما يريد ويفعل ما يشاء من غير أن نأوي في ذلك إلى ما عندنا من ظاهر الحول والقوة.
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست