يدل على صحة هذا الاتصال الغيبي لان حكم الأمثال واحد وإذا جاز ان تخترق العادة بشئ جاز ان تخترق بما يماثله.
والرسل عليهم السلام لما احتجوا على كفار أممهم في النبوة العامة بقولهم " يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى اجل مسمى " عادت الكفار إليهم بطلب الدليل منهم على ما يدعونه من النبوة لأنفسهم معتذرين في ذلك بقولهم: " إن أنتم الا بشر مثلنا " ثم صرحوا بما يطلبونه من الدليل وهو الآية المعجزة بقولهم فأتونا بسلطان مبين.
فالمعنى سلمنا ان من مقتضى العناية الإلهية ان يدعونا إلى المغفرة والرحمة لكنا لا نسلم لكم ان هذه الدعوة قائمة بكم كما تدعون فإنكم بشر مثلنا لا تزيدون علينا بشئ ولو كان مجرد البشرية يوجب ذلك لكنا وجدناه من أنفسنا ونحن بشر فان كنتم صادقين في دعواكم هذه فأتونا بسلطان مبين أي ببرهان قاطع يتسلط على عقولنا ويضطرنا إلى الاذعان بنبوتكم وهو آية معجزة غيبية تخرق العادة كما أن ما تدعونه خارق مثلها.
وبهذا البيان يظهر اولا ان كلامهم هذا من قبيل منع الدعوى وقولهم إن أنتم الا بشر مثلنا سند المنع وقولهم فأتونا بسلطان مبين تصريح بطلب الدليل.
وثانيا ان قولهم تريدون ان تصدونا عما كان يعبد آباؤنا من قبيل الاعتراض الواقع بين المنع وسنده ومعناه انكم لما كنتم بشرا مثلنا لا فضل لكم علينا بشئ فلا وجه لان نقبل منكم ما لا نجده من أنفسنا ولا نعهده من أمثالنا والذي نعهده من أمثال هذه الأمور انها انما تظهر عن اغراض ومطامع دنيوية مادية فليس إلا انكم تريدون ان تصرفونا عن سنتنا القومية وطريقتنا المثلى.
قوله تعالى: " قالت لهم رسلهم إن نحن الا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء " إلى آخر الآية جواب الرسل عما اوردوه على رسالتهم بأنكم بشر مثلنا فلستم ذوي هوية ملكوتية حتى تتصلوا بالغيب فان كنتم صادقين في دعواكم هذه القدرة الغيبية فأتونا بسلطان مبين.