ومحصل الجواب ان كوننا بشرا مثلكم مسلم لكنه يوجب خلاف ما استوجبتموه اما قولكم ان كونكم بشرا مثلنا يوجب ان لا تختصوا بخصيصة لا نجدها من أنفسنا وهى الوحي والرسالة فجوابه ان المماثلة في البشرية لا توجب المماثلة في جميع الكمالات الصورية والمعنوية الانسانية كما أن اعتدال الخلقة وجمال الهيئة وكذا رزانة العقل وإصابة الرأي والفهم والذكاء كمالات صورية ومعنوية توجد في بعض افراد الانسان دون بعض فمن الجائز ان ينعم الله بالوحي والرسالة على بعض عباده دون بعض فإن الله يمن على من يشاء منهم.
واما قولكم فأتونا بسلطان مبين فإنه مبنى على كون النبي ذا شخصية ملكوتية وقدرة غيبية فعالة لما تشاء وليس كذلك فما النبي الا بشر مثلكم يوحى إليه بالرسالة وليس له من الامر شئ وما كان له ان يأتي بآية من عنده الا ان يشاء الله ذلك ويأذن فيه.
فقوله ان نحن إلا بشر مثلكم تسليم من الرسل لقولهم ان أنتم الا بشر مثلنا لاستنتاج خلاف ما استنتجوه منه وقوله ولكن الله يمن على من يشاء إشارة إلى مقدمة بانضمامها يستنتج المطلوب وقوله وما كان لنا ان نأتيكم بسلطان الا بإذن الله جواب منهم استنتجوه من كونهم بشرا مثلهم.
وتذييل هذا الكلام بقولهم وعلى الله فليتوكل المؤمنون للإشارة إلى ما يجرى مجرى حجة ثانية على ارجاع الامر كله ومنه أمر الآية المعجزة إلى الله وهى حجة خاصة بالمؤمنين وملخصها ان الايمان بالله سبحانه يقتضى منهم أن يذعنوا بأن الاتيان بالآية انما هو إلى الله لان الحول والقوة له خاصة لا يملك غيره من ذلك شيئا الا بإذنه.
وذلك لأنه هو الله عز شأنه فهو الذي يبدأ منه وينتهى إليه ويقوم به كل شئ فهو رب كل شئ المالك لتدبير أمره لا يملك شئ أمرا الا باذنه فهو وكيل كل شئ القائم بما يرجع إليه من الامر فعلى المؤمن ان يتخذ ربه وكيلا في جميع ما يرجع إليه حتى في أعماله التي تنسب إليه لما ان القوة كلها له سبحانه وعلى الرسول ان يذعن بأن ليس له الاتيان بآية معجزة إلا بإذن الله.