تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٣٠٤
الغيب الذي يشتملان عليه نوعا من الاشتمال قبال ما يشتملان عليه من الشهادة وبعبارة أخرى ما يغيب عن الافهام من أمرهما قبال ما يظهر منهما.
والساعة هي من غيب السماوات والأرض بهذا المعنى الثاني اما اولا فلانه سبحانه يعدها في كلامه من الغيب وليست بخارج من أمر السماوات والأرض فهو من الغيب بهذا المعنى.
واما ثانيا فلأن ما يصفها به من الأوصاف انما يلائم هذا المعنى الثاني ككونها يوما ينبئهم الله بما كانوا فيه يختلفون ويوم تبلى السرائر ويوما يخاطب فيه الانسان بمثل قوله: " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ويوما يخاطبون ربهم بقولهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا " وبالجملة هي يوم يظهر فيه ما استتر من الحقائق في هذه النشأة ظهور عيان ومن المعلوم ان هذه الحقائق غير خارجة من السماوات والأرض بل هي معهما ثابتة.
كيف؟ وهو تعالى يقول: " ولله غيب السماوات والأرض " فيثبته ملكا لنفسه وليس ملكه من الملك الاعتباري يتعلق بكل أمر موهوم أو جزافي بل ملك حقيقي يتعلق بأمر ثابت فلها نوع من الثبوت وان فرض جهلنا بحقيقة ثبوتها.
والشواهد القرآنية على هذا الذي ذكرناه كثيرة وقد عد سبحانه حياة هذه النشأة متاع الغرور ولعبا ولهوا وكرر ان أكثر الناس لا يعلمون ما هو يوم القيامة وذكر ان الدار الآخرة هي الحيوان وانهم سيعلمون ان الله هو الحق المبين وسيبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون إلى غير ذلك مما يشتمل عليه الآيات على اختلاف السنتها.
وبالجملة الساعة من غيب السماوات والأرض والآية أعني قوله ولله غيب السماوات والأرض تقرر ملكه تعالى لنفس هذا الغيب لا لعلمه فلم يقل ولله علم غيب السماوات والأرض وسياق الآية يعطى إن الجملة أعني قوله ولله غيب الخ توطئة وتمهيد لقوله ما أمر الساعة إلا كلمح البصر الخ فالجملة مسوقة للاحتجاج.
وعلى هذا يعود معنى الآية إلى أن الله سبحانه يملك غيب السماوات والأرض ملكا له ان يتصرف فيه كيف يشاء كما يملك شهادتهما وكيف لا؟ وغيب الشئ لا يفارق
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»
الفهرست