" إنا هديناه السبيل " الدهر: 3 وهذا أصل الحجة على النبوة والتشريع وقد مر تمامه في أبحاث النبوة في الجزء الثاني وفي قصص نوح في الجزء العاشر من الكتاب.
فقد تحصل ان الغرض من المثل المضروب في الآية إقامة حجة على التوحيد مع إشارة إلى النبوة والتشريع.
وقيل إنه مثل مضروب فيمن يؤمل منه الخير ومن لا يؤمل منه واصل الخير كله من الله تعالى فكيف يستوى بينه وبين شئ سواه في العبادة؟
وفيه ان المورد أخص من ذلك فهو مثل مضروب فيمن هو على خير في نفسه وهو يأمر بالعدل وهو شأنه تعالى دون غيره على أنهم لا يساون بينه وبين غيره في العبادة بل يتركونه ويعبدون غيره.
وقيل إنه مثل مضروب في المؤمن والكافر فالأبكم هو الكافر والذي يأمر بالعدل هو المؤمن وفيه ان صحة انطباق الآية على المؤمن والكافر بل على كل من يأمر بالعدل ومن يسكت عنه وجريها فيهما أمر ومدلولها من جهة وقوعها في سياق تعداد النعم والاحتجاج على التوحيد وما يلحق به من الأصول أمر آخر والذي تفيده بالنظر إلى هذه الجهة ان مورد المثل هو الله سبحانه وما يعبدون من دونه لا غير.
قوله تعالى: " ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ان الله على كل شئ قدير الغيب يقابل الشهادة في اطلاقات القرآن الكريم وقد تكرر فيه عالم الغيب والشهادة وقد تقدم مرارا انهما أمران إضافيان فالامر الواحد غيب وغائب بالنسبة إلى شئ وشهادة ومشهود بالنسبة إلى آخر.
وإذ كان من الأشياء ما هو ذو وجوه يظهر ببعض منها لغيره ويخفى ببعض أعني انه متضمن غيبا وشهادة كانت إضافة الغيب والشهادة إلى الشئ تارة بمعنى اللام فيكون مثلا غيب السماوات والأرض ما هو غائب عنهما خارج من حدودهما ويلحق بهذا الباب الإضافة لنوع من الاختصاص كما في قوله: " فلا يظهر على غيبه أحدا " الجن: 26.
وتارة بمعنى من أو ما يقرب منه فيكون المراد بغيب السماوات والأرض