على أن ما في الآية من لفظ السكر غير مقيد بكونه نبيذا أو خمرا ولا قليلا لا يبلغ حد الاسكار ولا غيره فلو كان اتخاذ السكر متعلقا للامتنان الدال على الجواز لكانت الآية صريحة في حلية الجميع ثم لم يقبل النسخ أصلا فان لسان الامتنان لا يقبل أمدا يرتفع بعده كيف يجوز ان يعد الله شيئا من نعمه ويمتن على الناس به ثم يعده بعد برهة رجسا ومن عمل الشيطان كما في آية المائدة الا بالبداء بمعناه المستحيل عليه تعالى.
ثم ختم سبحانه الآية بقوله ان في ذلك لاية لقوم يعقلون حثا على التعقل والامعان في أمر النبات وثمراته.
قوله تعالى: " وأوحى ربك إلى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا " إلى آخر الآيتين الوحي كما قال الراغب الإشارة السريعة وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز أو بصوت مجرد عن التركيب أو بإشارة ونحوها والمحصل من موارد استعماله انه القاء المعنى بنحو يخفى على غير من قصد افهامه فالالهام بالقاء المعنى في فهم الحيوان من طريق الغريزة من الوحي وكذا ورود المعنى في النفس من طريق الرؤيا أو من طريق الوسوسة أو بالإشارة كل ذلك من الوحي وقد استعمل في كلامه تعالى في كل من هذه المعاني كقوله وأوحى ربك إلى النحل الآية وقوله: " وأوحينا إلى أم موسى " القصص: 7 وقوله: " إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم " الانعام: 121 وقوله: " فأوحى إليهم ان سبحوا بكرة وعشيا " مريم: 11 ومن الوحي التكليم الإلهي لأنبيائه ورسله قال تعالى: " وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا " الشورى:
51 وقد قرر الأدب الديني في الاسلام ان لا يطلق الوحي على غير ما عند الأنبياء والرسل من التكليم الإلهي.
قال في المجمع والذلل جمع الذلول يقال دابة ذلول بين الذل ورجل ذلول بين الذل والذلة انتهى.
وقوله وأوحى ربك إلى النحل أي ألهمه من طريق غريزته التي أودعها في بنيته وامر النحل وهو زنبور العسل في حياته الاجتماعية وسيرته وصنعته لعجيب ولعل بداعة امره هو الموجب لصرف الخطاب عنهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال وأوحى ربك.