تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٩٥
الناس والسنن الاجتماعية الجارية في مجتمعاتهم لكن له أصول طبيعية تكوينية هي التي بعثت آرائهم على اعتباره كسائر الأمور الاجتماعية العامة.
ومن الشاهد على ذلك أن الأمم الراقية منذ عهد طويل أعلنوا بالغاء سنة الاسترقاق ثم اتبعتهم سائر الأمم من الشرقيين وغيرهم وهم لا يزالون يحترمون معناها إلى هذه الغاية وان ألغوا صورتها ويجرون مسماها وان هجروا اسمها (1) ولن يزالوا كذلك فليس في وسع الانسان أن يسد باب المغالبة وقد قدمنا كلاما في هذا المعنى في آخر الجزء السادس من هذا الكتاب فليراجعه من شاء.
وكون هذا المعنى نعمة من الله انما هو لان من صلاح المجتمع الانساني ان يتسلط بعضهم على بعض فيصلح القوى الضعيف بصالح التدبير ويكمله.
وعلى هذا فقوله فهم فيه سواء متفرع على المنفى في قوله فما الذين فضلوا برادي رزقهم دون النفي والمعنى ليسوا برادي رزقهم على عبيدهم فيكونوا متساوين فيه متشاركين وفي ذلك ذهاب مولويتهم ويحتمل ان يكون جملة استفهامية حذفت منها اداة الاستفهام وفيها انكار ان يكون المفضلون والمفضل عليهم في ذلك متساويين ولو كانوا سواء لم يمتنع المفضل من أن يرد رزقه على من فضل عليه فان في ذلك دلالة على انها نعمة خصه الله بها.
ولذلك عقبه ثانيا بقوله أفبنعمة الله يجحدون وهو استفهام توبيخي كالمتفرع لما تقدمه من الاستفهام الانكاري والمراد بنعمة الله هذا التفضيل المذكور بعينه.
والمعنى والله أعلم والله فرق بينكم بأن فضل بعضكم على بعض في الرزق فبعضكم حر مستقل في التصرف فيه وبعضكم عبد تبع له لا يتصرف الا عن اذن فليس الذين فضلوا برادي رزقهم الذي رزقوه على سبيل الحرية والاستقلال على ما ملكت ايمانهم حتى يكون هؤلاء المفضلون والمفضل عليهم في الرزق سواء فليسوا سواء بل هي نعمة تختص بالمفضلين أفبنعمة الله يجحدون؟
هذا ما يفيده ظاهر الآية بما احتفت به من القرائن والسياق سياق تعداد النعم

(1) وإنما نقلوا حكم الاسترقاق مما بين الفرد والفرد إلى ما بين المجتمع والمجتمع وسموه بغير اسمه.
(٢٩٥)
مفاتيح البحث: الرزق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»
الفهرست