تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٩١
بلغة الحبشة أو على ما نقل عن أبي عبيدة ان السكر المطعوم المتفكه به كالنقل وانشد جعلت اعراض الكرام سكرا إلى أن قال وإلى عدم النسخ ذهب الحنفيون وقالوا المراد بالسكر ما لا يسكر من الأنبذة واستدلوا عليه بأن الله تعالى أمتن على عباده بما خلق لهم من ذلك ولا يقع الامتنان الا بمحلل فيكون ذلك دليلا على جواز شرب ما دون المسكر من النبيذ فإذا انتهى إلى السكر لم يجز انتهى موضع الحاجة.
اما ما ذكره في الخمر فقد فصلنا القول في ذلك في ذيل آيات التحريم من سورة المائدة وأقمنا الشواهد هناك على أن الخمر كانت محرمة قبل الهجرة وكان الاسلام معروفا بتحريمها وتحريم الزنا عند المشركين عامتهم وان تحريمها نزل في سورة الأعراف وقد نزلت قبل سورة النحل قطعا وفي سورتي البقرة والنساء وقد نزلتا قبل سورة المائدة وان التي نزلت في المائدة انما نزلت لتشديد الحرمة وزجر بعض المسلمين حيث كانوا يتخلفون عن حكم التحريم كما وقع في الروايات وهو الذي يشير إليه بقوله يشربها البر والفاجر وفي لفظ الآيات دلالة على ذلك إذ يقول فهل أنتم منتهون.
واما ما نقله عن ابن عباس ان السكر في لغة الحبشة بمعنى الخل فلا معول عليه واستعمال اللفظ غير العربي وان كان غير عزيز في القرآن كما قيل في استبرق وجهنم وزقوم وغيرها لكنه انما يجوز فيما لم يكن هناك مانع من لبس أو ابهام واما في مثل السكر وهو في اللغة العربية الخمر وفي الحبشية الخل فلا وكيف يجوز ان ينسب إلى أبلغ الكلام انه ترك الخل وهو عربي جيد واستعمل مكانه لفظة حبشية تفيد في العربية ضد معناها؟
واما ما نسبه إلى أبى عبيدة فقد تقدم ما عليه في أول الكلام فراجع.
واما ما نسبه إلى الحنفية من أن المراد بالسكر النبيذ وان الآية تدل على جواز شرب القليل منه ما لم يصل إلى حد الاسكار لمكان الامتنان ففيه ان الآية لا تدل على أكثر من أنهم يتخذون منه سكرا واما الامتنان عليهم بذلك فبمعزل من دلالة الآية وانما عد من النعم ثمرات النخيل والأعناب لا كل ما عملوا منها من حلال وحرام ولو كان في ذلك امتنان لم يقابله بالرزق الحسن الدال بمقابلته على نوع من العتاب على اتخاذهم منه سكرا كما اعترف به البيضاوي وغيره.
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»
الفهرست