تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢١٩
له سبحانه كما أن وجوداتها له ملكا طلقا لا يقبل بطلانا ولا نقلا ولا تبديلا فهو سبحانه المنعم بها حقيقة لا غيره من شئ حتى الذي نفس النعمة من آثار وجوده فإنه وما له من اثر هو لله وحده.
ولذلك ضم إلى حديث الخلق والانعام قوله تعالى: " والله يعلم ما تسرون وما تعلنون " لان مجرد استناد الخلق والانعام إلى شئ لا يستلزم ربوبيته ولا يستوجب عبادته لولا انضمام العلم إليهما ليتم بذلك انه مدبر يهدى كل شئ إلى كماله المطلوب له وسعادته المكتوبة في صحيفة عمله ومن المعلوم ان العبادة انما تستقيم عبادة إذا كان المعبود موسوما بسمة العلم عالما بعبادة من يعبده شاهدا لخضوعه.
فمجموع ما تتضمنه الآيات من حديث الخلق والنعمة والعلم مقدمات لحجة واحدة أقيمت على توحيد الربوبية الذي ينكره الوثنية كما عرفت.
فقوله: " أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون " قياس ما له سبحانه من النعت إلى ما لغيره منه ونفى للمساواة والاستفهام للانكار والمراد بمن لا يخلق آلهتهم الذين يدعونهم من دون الله.
وبيانه كما ظهر مما تقدم ان الله سبحانه يخلق الأشياء ويستمر في خلقها فلا يستوى هو ومن لا يخلق شيئا فإنه تعالى لخلقه الأشياء يملك وجوداتها وآثار وجوداتها التي هي الأنظمة الخاصة بها والنظام العام الجاري عليها.
وقوله وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها الخ إشارة إلى كثرة النعم الإلهية كثرة خارجة عن حيطة الاحصاء وبالحقيقة ما من شئ الا وهو نعمة إذا قيس إلى النظام الكلى وان كان ربما وجد بينها ما ليس بنعمة إذا قيس إلى بعض آخر.
وقد علل سبحانه ذلك بقوله ان الله لغفور رحيم وهو من الطف التعليل وأدقه فافاد سبحانه ان خروج النعمة عن حد الاحصاء انما هو من بركات اتصافه تعالى بصفتي المغفرة والرحمة فإنه بمغفرته والمغفرة هي الستر يستر ما في الأشياء من وبال النقص وشوهة القصور وبرحمته والرحمة اتمام النقص ورفع الحاجة يظهر فيها الخير والكمال ويحليها بالجمال فببسط المغفرة والرحمة على الأشياء يكون كل شئ نافعا في غيره خيرا مطلوبا عنده فيصير نعمة بالنسبة إليه فالاشياء بعضها نعمة
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»
الفهرست