السبيل ان عليه تعالى بيان السبيل الحق فضلا وكرما منه دون بيان السبيل الجائر واما أصل الجعل فهما جميعا مجعولان له تعالى ومن منكر ان يكون تغيير الأسلوب في الآية لأمر مطلوب.
والحق ان دلالة الآية على كون قصد السبيل مضافا إليه تعالى دون السبيل الجائر مما لا ريب فيه لكن ذلك لا يستلزم كون السبيل الجائر مخلوقا لغيره تعالى لما تقدم ان سبيل الضلال ليس بسبيل حقيقة بل حقيقته عدم سلوك سبيل الهدى كما أن الضلال عدم الهدى فليس بأمر موجود حتى ينسب خلقه وايجاده إليه تعالى وانما ينسب الضلال إليه تعالى فيما ينسب بمعنى عدم هدايته للضال أي عدم ايجاده الهدى في نفسه.
ومع ذلك فالذي ينسب إليه من الضلال كما في قوله: " يضل من يشاء ويهدى من يشاء " فاطر: 8 وقوله: " يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا " البقرة: 26 هو الضلال بطريق المجازاة دون الضلال الابتدائي كما يفسره قوله: " وما يضل به الا الفاسقين البقرة: 26 فإذا فسق الانسان وخرج بسوء اختياره عن زي العبودية بأن عصى ولم يرجع وهو ضلاله الابتدائي من قبل نفسه جازاه الله بالضلال بأن أثبته على حاله ولم يقض عليه الهدى.
واما الضلال الابتدائي من الانسان فإنما هو انكفاف وقصور عن الطاعة وقد هداه الله من طريق الفطرة ودعوة النبوة.
قوله تعالى: " هو الذي انزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون " شروع في نوع آخر من النعم وهى النعم النباتية التي يقتات بها الانسان وغيره وما سخر له لتدبير أمرها كالليل والنهار والشمس والقمر وما يحذو حذوها ولذلك غير السياق فقال هو الذي الخ ولم يقل وانزل من السماء.
وقوله تسيمون من الإسامة وهى رعى المواشي ومنه السائمة للماشية الراعية ومن الأولى تبعيضية والثانية نشوئية والشجر من النبات ما له ساق وورق وربما توسع فأطلق على ذي الساق وغيره جميعا ومنه الشجر المذكور في الآية لمكان قوله فيه تسيمون والباقي واضح.