تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢١٠
الوهيته كان لازمه ان يتقى وحده لان التقوى وهو اصلاح مقام العمل فرع لما في مقام الاعتقاد والنظر فعبادة الالهة الكثيرين والخضوع لهم لا يجامع الاعتقاد باله واحد لا شريك له الذي هو القيوم على كل شئ وبيده زمام كل أمر ولذا لم يؤمر نبي ان يدعو إلى توحيد من غير عمل أو إلى عمل من غير توحيد قال تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول الا نوحي إليه انه لا اله الا انا فاعبدون " الأنبياء: 25.
فالذي أمر الرسل بالانذار به في الآية هو مجموع قوله انه لا اله الا انا فاتقون وهو تمام الدين لاندراج الاعتقادات الحقة في التوحيد والاحكام العملية جميعا في التقوى ولا يعبؤ بما ذكره بعضهم ان قوله فاتقون للمستعجلين من الكفار المذكورين في الآية الأولى أو لخصوص كفار قريش من غير أن يكون داخلا فيما أمر به الرسل من الانذار.
قوله تعالى خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون تقدم معنى خلق السماوات والأرض بالحق ولازم خلقها بالحق ان لا يكون للباطل فيها اثر ولذلك عقبه بتنزيهه عن الشركاء الذين يدعونهم ليشفعوا لهم عند الله ويهدوهم إلى الخير ويقوهم الشر فإنهم من الباطل الذي لا اثر له.
وفي الآية والآيات التالية لها احتجاج على وحدانيته تعالى في الألوهية والربوبية من جهتى الخلق والتدبير جميعا فان الخلق والايجاد آية الألوهية وكون الخلق بعضها نعمة بالنسبة إلى بعض آية الربوبية لان الشئ لا يكون نعمه بالنسبة إلى آخر الا عن ارتباط بينهما واتصال من أحدهما بالآخر يؤدى إلى نظام جامع بينهما وتدبير واحد يجمعهما ووحدة التدبير آية وحدة المدبر فكون ما في السماوات والأرض من مخلوق نعما للانسان يدل على أن الله سبحانه وحده ربه ورب كل شئ.
قوله تعالى: " خلق الانسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين " المراد به الخلق الجاري في النوع الانساني وهو جعل نسله من النطفة فلا يشمل آدم وعيسى عليهم السلام والخصيم صفة مشبهة من الخصومة وهى الجدال والآية وان أمكن ان تحمل على الامتنان حيث إن من عظيم المن ان يبدل الله سبحانه بقدرته التامة قطرة من ماء مهين انسانا كامل الخلقة منطيقا متكلما ينبئ عن كل ما جل ودق ببيانه البليغ لكن كثرة
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»
الفهرست