تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢١٣
وركوب المراكب فناسب ان يذكر ما أنعم به من الطريق المعنوي الموصل للانسان إلى غايته الحقيقية يبتغيها في مسير الحياة كما أنعم بمثله في عالم المادة ونشأة الصورة.
فذكر سبحانه ان من نعمه التي من بها على عباده أن أوجب على نفسه لهم سبيلا قاصدا يوصلهم إلى سعادة حياتهم فجعله لهم وهداهم إليه.
وقد نسب سبحانه قصد السبيل إلى نفسه دون السبيل الجائر لان سبيل الضلال ليس سبيلا مجعولا له وفي عرض سبيل الهدى وانما هو الخروج عن السبيل وعدم التلبس بسلوكه فليس بسبيل حقيقة وانما هو عدم السبيل.
وكيف كان فالآية ظاهرة في نسبة قصد السبيل إليه تعالى وترك نسبة السبيل الجائر المؤدى بسبب المقابلة إلى نفى نسبته إليه تعالى.
وإذ كان من الممكن ان يتوهم ان لازم جعله قصد السبيل ان يكون مكفورا في نعمته مغلوبا في تدبيره وربوبيته حيث جعل السبيل ولم يسلكه الأكثرون وهدى إليه ولم يهتد به المدعوون دفعه بقوله تعالى: " ولو شاء لهداكم أجمعين " أي ان عدم اهتداء الجميع ليس لعجز منه سبحانه عن ذلك أو غلبة من هؤلاء المتخلفين وظهورهم عليه بل لأنه تعالى لم يشأ ذلك ولو شاء لم يسعهم الا ان يهتدوا جميعا فهو القاهر الغالب على كل حال.
وبعبارة أخرى السبيل القاصد الذي جعله الله تعالى هو السبيل المبنى على اختيار الانسان يقطعه باتيان الأعمال الصالحة واجتناب المعاصي عن اختيار منه وما هذا شأنه لم يكن مما يجبر عليه ولا عاما للجميع فان الطبائع متنوعة والتراكيب مختلفة ولا محالة تتنوع آثارها ويختلف الافراد بالايمان والكفر والتقوى والفجور والطاعة والمعصية.
والآية مما تشاجرت فيها الأشاعرة والمعتزلة من فرق المسلمين فاستدلت المعتزلة بأن تغيير الأسلوب يجعل قصد السبيل على الله دون السبيل الجائر للدلالة على ما يجوز اضافته إليه تعالى وما لا يجوز كما ذكره في الكشاف.
وتكلفت الأشاعرة في الجواب عنه فمن مجيب بان السبيلين جميعا منه تعالى وانما لم ينسب السبيل الجائر إليه تأدبا ومن مجيب بان المراد بقوله وعلى الله قصد
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»
الفهرست