تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٠٧
بأمره ونظيره قوله يحفظونه من أمر الله أي بأمر الله لان أحدا لا يحفظه عن امره انتهى.
اما قوله ان من في قوله من امره بمعنى الباء استنادا إلى قوله يحفظونه من أمر الله أي بأمر الله الخ فقد مر في تفسير سورة الرعد ان من على ظاهر معناه وان بعض امره تعالى يحفظ الأشياء من بعض امره فلا وجه لاخذ من امره بمعنى بأمره بل قوله بالروح من امره معناه بالروح الكائن من امره على أن الظرف مستقر لا لغو كما في قوله قل الروح من أمر ربى ومعناه ما تقدم.
واما قوله ان الروح بمعنى الوحي أو القرآن وكذا قول بعضهم انه بمعنى النبوة فلا يخلو عن وجه بحسب النتيجة بمعنى ان نتيجة نزول الملائكة بالروح من امره هو الوحي أو النبوة واما في نفسه وهو ان يسمى الوحي أو النبوة روحا باشتراك لفظي أو مجازا من حيث إنه يحيى القلوب ويعمرها كما أن الروح به حياة الأبدان وعمارتها فهو فاسد لما بيناه مرارا ان الطريق إلى تشخيص مصاديق الكلمات في كلامه تعالى هو الرجوع إلى سائر ما يصلح من كلامه لتفسيره دون الرجوع إلى العرف وما يراه في مصاديق الألفاظ.
والمتحصل من كلامه سبحانه ان الروح خلق من خلق الله وهو حقيقة واحدة ذات مراتب ودرجات مختلفة منها ما في الحيوان وغير المؤمنين من الانسان ومنها ما في المؤمنين من الانسان قال تعالى: " وأيدهم بروح منه " المجادلة: 22 ومنها ما يتأيد به الأنبياء والرسل كما قال: " وأيدناه بروح القدس " البقرة: 87 وقال:
" وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا " الشورى: 52 على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله.
هذا ما تفيده الآيات الكريمة واما ان اطلاق اللفظ على هذا المعنى هل هي حقيقة أو مجاز وما أمعنوا في البحث انه من الاستعارة المصرحة أو استعارة بالكناية أو ان قوله بالروح من امره من قبيل التشبيه لذكر المشبه صريحا بناء على كون من في قوله من امره بيانية كما صرحوا في قوله: " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " البقرة: 187 انه من التشبيه للتصريح بالمشبه
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»
الفهرست