تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٠٥
وبما مر يندفع ما ذكره بعضهم ان الخطاب في الآية للمؤمنين أو للمؤمنين والمشركين جميعا فان السياق لا يلائمه.
على أنه تعالى يخص في كلامه الاستعجال بغير المؤمنين وينفيه عنهم قال:
" يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون انها الحق " الشورى: 18.
وكذا ما ذكروه ان المراد بالامر هو يوم القيامة وذلك أن المشركين وان كانوا يستعجلونه أيضا كما يدل عليه قولهم على ما حكاه الله تعالى: " متى هذا الوعد ان كنتم صادقين " يس: 48 لكن سياق الآيات لا يساعد عليه كما عرفت.
ومن العجيب ما استدل به جمع منهم على أن المراد بالامر يوم القيامة انه تعالى لما قال في آخر سورة الحجر فوربك لنسألنهم أجمعين وكان فيه تنبيه على حشر هؤلاء وسؤالهم قال في مفتتح هذه السورة: " اتى أمر الله " فأخبر بقرب يوم القيامة وكذا قوله في آخر الحجر واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وهو مفسر بالموت شديد المناسبة بأن يكون المراد بالامر في هذه السورة يوم القيامة ومما يؤكد المناسبة قوله هناك يأتيك وههنا اتى وأمثال هذه الأقاويل الملفقة مما لا ينبغي ان يلتفت إليه.
ونظيره قول بعضهم ان المراد بالامر واحدة الأوامر ومعناه الحكم كأنه يشير به إلى ما في السورة من احكام العهد واليمين ومحرمات الاكل وغيرها والخطاب على هذا للمؤمنين خاصة وهو كما ترى.
قوله تعالى ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشاء من عباده إلى آخر الآية الناس على اختلافهم الشديد قديما وحديثا في حقيقة الروح لا يختلفون في أنهم يفهمون منه معنى واحدا وهو ما به الحياة التي هي ملاك الشعور والإرادة فهذا المعنى هو المراد في الآية الكريمة.
واما حقيقته اجمالا فالذي يفيده مثل قوله تعالى: " يوم يقوم الروح والملائكة صفا " النبأ: 38 وقوله: " تعرج الملائكة والروح إليه " المعارج: 4 وغيرهما انه موجود مستقل ذو حياة وعلم وقدرة وليس من قبيل الصفات والأحوال القائمة بالأشياء
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست