تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٠٩
لكنه لا يفعل شيئا ولا يفيض رحمة الا عن استعداد فيما يفيض عليه وصلاحية منه وقد أفاد ذلك في خصوص الرسالة حيث قال: " وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتى رسل الله الله اعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون " الانعام: 124 فان الآية ظاهرة في أن الموارد مختلفة في قبول كرامة الرسالة وان الله سبحانه اعلم بالمورد الذي يصلح لها ويستأهل لتلك الكرامة وهو غير هؤلاء المجرمين الماكرين واما هم فليس لهم عند الله الا الصغار والعذاب لاجرامهم ومكرهم هذا.
ومن هنا يظهر فساد استدلال بعضهم بالآية على نفى المرجح في مورد الرسالة ومحصل ما ذكره ان الآية تعلق الرسالة على مجرد المشية الإلهية من غير أن تقيدها بشئ فالرسول انما ينال الرسالة بمشية من الله لا لاختصاصه بصفات تؤهله لذلك ويرجحه على غيره ووجه الفساد ظاهر مما تقدم.
ونظيره في الفساد الاستدلال بالآية على كون الرسالة عطائية غير كسبية وذلك أنه تعالى غير محكوم عليه في ما ينسب إليه من الفعل لا يفعل الا ما يشاء والأمور العطائية والكسبية في ذلك سواء ولا شئ يقع في الوجود الا باذنه.
وقوله ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون بيان لقوله ينزل الملائكة بالروح لكونه في معنى الوحي أو بيان للروح بناء على كونه بمعنى الوحي والانذار هو اخبار فيه تخويف كما أن التبشير هو اخبار فيه سرور على ما ذكره الراغب أو اعلام بالمحذور كما ذكره غيره والتقدير على الأول أخبروهم مخوفين بوحدانيتي في الألوهية ووجوب تقواي وعلى الثاني أعلموهم ذلك على أن يكون انه مفعولا ثانيا لا منصوبا بنزع الخافض.
وقد علم بذلك ان قوله فاتقون متفرع على قوله لا اله الا انا والجملتان جميعا مفعول ثان أو في موضعه لقوله أنذروا ويوضح ذلك أن لا اله وهو الذي يبتدئ منه وينتهى إليه كل شئ أو المعبود بالحق من لوازم صفة الوهيته ان يتقيه الانسان لتوقف كل خير وسعادة إليه فلو فرض انه واحد لا شريك له في
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»
الفهرست