وترتيب القصة بحسب اجزائها على ما ذكرها الله سبحانه في سورة هود وغيرها والاعتبار يساعد ذلك مقتضاه أن يكون قوله: " فلما جاء آل لوط " إلى تمام آيتين قبل سائر الآيات ثم قوله وجاء أهل المدينة إلى تمام ست آيات ثم قوله قالوا بل جئناك إلى تمام أربع آيات ثم قوله فأخذتهم الصيحة مشرقين إلى آخر الآيات.
وحقيقة هذا التقديم والتأخير ان للقصة فصولا أربعة وقد اخذ الفصل الثالث منها فوضع بين الأول والثاني أعني ان قوله وجاء أهل المدينة إلى آخره أخر في الذكر ليتصل آخره وهو قوله لعمرك انهم لفى سكرتهم يعمهون بأول الفصل الأخير فأخذتهم الصيحة مشرقين وذلك ليتمثل به الغرض في الاستشهاد بالقصة وينجلى أوضح الانجلاء وهو نزول عذاب هائل كعذابهم في حال سكرة منهم وأمن منه لا يخطر ببالهم شئ من ذلك وذلك أبلغ في الدهشة وأوقع في الحسرة يزيد في العذاب الما على ألم.
ونظير هذا في التلويح بهذه النكتة ما في آخر قصة أصحاب الحجر الآتية من اتصال قوله وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين بقوله فأخذتهم الصيحة مصبحين كل ذلك ليجلى معنى قوله تعالى في صدر المقال وان عذابي هو العذاب الأليم فافهم ذلك.
قوله تعالى: " فأسر بأهلك بقطع من الليل " إلى آخر الآية الاسراء هو السير بالليل فقوله بقطع من الليل يؤكده وقطع الليل شطر مقطوع منه والمراد باتباعه ادبارهم هو ان يسير وراءهم فلا يترك أحدا يتخلف عن السير ويحملهم على السير الحثيث كما يشعر به قوله ولا يلتفت منكم أحد.
والمعنى وإذ جئناك بعذاب غير مردود وامر من الله ماض يجب عليك ان تسير بأهلك ليلا وتأخذ أنت وراءهم لئلا يتخلفوا عن السير ولا يساهلوا فيه ولا يلتفت أحد منكم إلى ورائه وامضوا حيث تؤمرون وفيه دلالة على أنه كانت امامهم هداية الهية تهديهم وقائد يقودهم.
قوله تعالى وقضينا إليه ذلك الامر إن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين القضاء