تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٥٣
خلقه من تراب ثم استمر بالنطفة؟ كلامه سبحانه خال عن بيانه ظاهرا غير ما في بعض كلامه من نسبة الذرية إلى إبليس كما قال: " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " الكهف: 50 ونسبة الموت إليهم كما في قوله: " قد خلت من قبلهم من الجن والإنس " حم السجدة: 25 والمألوف من نوع فيه ذرية وموت هو التناسل والكلام بعد في هذا التناسل هل هو بسفاد كسفاد نوع من الحيوان أو بغير ذلك؟
وقوله خلقناه من قبل مقطوع الإضافة أي من قبل خلق الانسان والقرينة هي المقابلة بين الخلقين.
وعد مبدأ خلق الجان في الآية هو نار السموم لا ينافي ما في سورة الرحمان من عده مارجا من نار أي لهيبا مختلطا بدخان فان الآيتين تلخصان ان مبدأ خلقه ريح سموم اشتعلت فكانت مارج نار.
فمعنى الآيتين أقسم لقد بدأنا خلق النوع الانسان من طين قد جف بعد أن كان سائلا متغيرا منتنا ونوع الجان بدأنا خلقه من ريح حارة حادة اشتعلت فصارت نارا قوله تعالى: " وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا " إلى آخر الآية قال في المفردات البشرة ظاهر الجلد والأدمة باطنه كذا قال عامة الأدباء إلى أن قال وعبر عن الانسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع وثنى فقال تعالى:
" أنؤمن لبشرين " وخص في القرآن في كل موضع اعتبر من الانسان جثته وظاهره بلفظ البشر نحو وهو الذي خلق من الماء بشرا انتهى موضع الحاجة.
وقوله وإذ قال ربك للملائكة انى خالق بشرا باضمار فعل والتقدير واذكر إذ قال ربك وفي الكلام التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة وكأن العناية فيه مثل العناية التي مرت في قوله وان ربك هو يحشرهم فان هذه الآيات أيضا تكشف عن نبأ ينتهى إلى الحشر والسعادة والشقاوة الخالدتين.
على أن التكلم مع الغير في السابق ولقد خلقنا خلقناه من قبيل تكلم العظماء عنهم وعن خدمهم وأعوانهم تعظيما أي بأخذه تعالى ملائكته الكرام معه في
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»
الفهرست