تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٣
يتصرف في ما يشاء بما يشاء ولا يكون تصرفه الا محمودا غير مذموم لان التصرف انما يكون مذموما إذا كان المتصرف لا يملكه اما عقلا أو شرعا أو عرفا وأي تصرف نسبه إليه تعالى عقل أو شرع أو عرف فإنه يملكه فهو تعالى حميد محمود الافعال.
قوله تعالى: " وويل للكافرين من عذاب شديد " بيان لما تقتضيه صفة العزة من القهر لمن يرد دعوته ويكفر بنعمته.
قوله تعالى: " الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا " الخ قال الراغب في المفردات وقوله عز وجل ان استحبوا الكفر على الايمان أي ان آثروه عليه وحقيقة الاستحباب ان يتحرى الانسان في الشئ ان يحبه واقتضى تعديته بعلى معنى الايثار وعلى هذا قوله تعالى: " واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " انتهى.
ومعنى استحباب الدنيا على الآخرة اختيار الدنيا وترك الآخرة رأسا ويقابله اختيار الآخرة على الدنيا بمعنى اخذ الآخرة غاية للسعى وجعل الدنيا مقدمة لها يتوسل بها إليها واما اختيار الآخرة وترك الدنيا من أصلها فإنه مضاف إلى عدم امكانه بحقيقة معنى الكلمة يوجب اختلال أمر الآخرة وينجر إلى تركها بالآخرة فالحياة الدنيا حياة منقطعة والحياة الآخرة حياة دائمة يتوسل إلى سعادتها من طريق الدنيا بالاكتساب فمن اختار الآخرة وأثبتها لزمه اثبات الدنيا لمكان مقدميتها ومن اختار الدنيا وجعلها غاية لزمه نفى الآخرة من أصلها لأنها لو ثبتت ثبتت غاية وإذ لم يجعل غاية انتفت فليس بين يدي الانسان الا خصلتان اختبار الآخرة على الدنيا بجعل الآخرة غاية واثبات الدنيا معها للمقدمية واختيار الدنيا على الآخرة بجعل الدنيا غاية ونفى الآخرة من أصلها.
وايضاح المقام ان الانسان لا بغية له الا سعادة حياته وحبه لها فطرى وقد أوضحنا ذلك في مواضع متفرقة فيما تقدم والذي يثبته كتاب الله من أمر الحياة انها دائمة غير منقطعة بالموت فلا محالة تنقسم بالنظر إلى تخلل الموت إلى حياتين الحياة الدنيا المؤجلة بالموت و الحياة الآخرة بعد الموت وهى تتفرع في سعادتها وشقائها على
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»
الفهرست