تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٩
المؤمنون: 115 والامر والنهى اللذان يتم بهما الكمال في العالم الانساني يعودان بالآخرة إلى ما يتم به الخلقة.
فلله سبحانه في خلقه وأمره اغراض وان كان لا يستكمل بأغراض أفعاله كما نستكمل نحن بأغراض أفعالنا لكنه سبحانه لا يتأثر عن اغراضه وبعبارة أخرى الحكم والمصالح لا تؤثر فيه تعالى كما أن مصلحة الفعل تؤثر فينا فيبعثنا تعقلها نحو الفعل ونرجح الفعل على الترك فإنه سبحانه هو القاهر غير المقهور والغالب غير المغلوب يملك كل شئ ولا يملكه شئ ويحكم على كل شئ ولا يحكم عليه شئ ولم يكن له شريك في الملك ولا ولي من الذل فلا يكون تعالى محكوما بعقل بل هو الذي يهدى العقل إلى ما يعقله ولا تضطره مصلحة إلى فعل ولا مفسدة إلى ترك بل هو الهادي لهما إلى ما توجبانه.
فالغرض والمصلحة منتزعة من مقام فعله بمعنى ان فعله يتوقف على المصلحة لكنها لا تحكم في ذاته تعالى ولا تضطره إلى الفعل فكما انه تعالى إذا خلق شيئا وقال له كن فكان كزيد مثلا انتزع العقل من العين الخارجية نفسها انها ايجاد من الله تعالى ووجود لزيد وحكم بأن وجوده يتوقف على ايجاده كذلك ينتزع العقل من فعله تعالى بالنظر إلى ما أشرنا إليه من صفاته العليا انه فعله وانه ذو مصلحة مقصودة ثم يحكم بأن تحقق الفعل يتوقف على كونه ذا مصلحة.
فهذا هو الذي يعطيه التدبر في كلامه تعالى في كون أفعاله تعالى مشتملة على الحكم والمصالح متوقفة على الأغراض والمتحصل من ذلك أن له تعالى في أفعاله أغراضا لكنها راجعة إلى خلقه دونه.
وملخصه ان غرضه في فعله يفارق أغراضنا في أفعالنا من وجهين أحدهما انه تعالى لا يستكمل بأغراض أفعاله وغاياتها بخلافنا معاشر ذوي الشعور والإرادة من الانسان وسائر الحيوان وثانيهما ان المصلحة والمفسدة لا تحكمان فيه تعالى بخلاف غيره.
واما النزاع المعروف بين الأشاعرة والمعتزلة في أن أفعال الله معللة بالاغراض أم
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»
الفهرست