تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١١
وباذنه قال تعالى: " أيبتغون عندهم العزة فان العزة لله جميعا " النساء: 139 وقال " من كان يريد العزة فلله العزة جميعا " فاطر: 10.
والحميد فعيل بمعنى المفعول من الحمد وهو الثناء على الجميل الاختياري وإذ كان كل جمال ينتهى إليه سبحانه كان جميع الحمد له كما قال: " الحمد لله رب العالمين " سورة الحمد: 2 ومن غريب القول ما عن الإمام الرازي على ما سننقله ان الحميد معناه العالم الغنى.
وقوله إلى صراط العزيز الحميد بدل من قوله إلى النور يبين به ما يوصل إليه الكتاب الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بيانا بعد بيان فنبه اولا بأنه نور يميز الحق من الباطل والخير من الشر والسعادة من الشقاوة وثانيا بأنه طريق واضح يجمع سالكيه في متنه وينتهى بهم جميعا إلى الله العزيز الحميد.
والوجه في ذكر الصفتين الكريمتين العزيز الحميد انهما مبدءان لما سيورد في السورة من الكلام الموجه إليهم فإن عمدة الكلام في السورة هي تذكيرهم ان الله أنعم عليهم بربوبيته كل نعمة عظيمة ثم عزم عليهم من طريق رسله ان يشكروه ولا يكفروه ووعد رسله انهم إن آمنوا ادخلهم الجنة وإن كفروا انتقم منهم وأوردهم مورد الشقاء والعذاب فليخافوا ربهم وليحذروا مخالفة امره وكفران نعمته لان له كل العزة لا يمنع عن حلول سخطه بهم ونزول عذابه عليهم شئ حميد لا يذم في إثابته المؤمنين ولا في تعذيب الكافرين كما لا يذم فيما بسط عليهم من نعمه التي لا تحصى.
فجل الكلام في هذه السورة فيما يقتضيه الصفات الثلاث توحده تعالى بالربوبية وعزته وكونه حميدا في أفعاله فليخف من عزته المطلقة وليشكر وليوثق بما وعد وليتذكر من آيات ربوبيته.
وفي روح المعاني عن أبي حيان النكتة في ذلك أنه لما ذكر قبل انزاله تعالى لهذا الكتاب واخراج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم ناسب ذكر هاتين الصفتين صفة العزة المتضمنة للقدرة والغلبة لا نزاله مثل هذا الكتاب المعجز الذي لا
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»
الفهرست