تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٠
لا؟ بمعنى انه تعالى هل هو محكوم بالمصلحة الواقعية في فعله بحيث ان المصلحة ترجح له الفعل على الترك ولولاها لم يكن له ليفعل؟ أو انه لا غاية له في فعله وانما يفعل بإرادة جزافية من غير غرض؟
فذلك مما لا يهدى إلى شئ من طرفيه النظر المستوفى والحق خلاف القولين جميعا وهو أمر بين الامرين كما أشرنا إليه ولعلنا نوفق فيما سيأتي من الكتاب لعقد بحث مستقل في المسألة نستوفي فيه النظر العقلي والنقلي فيها إن شاء الله تعالى.
وفي قوله باذن ربهم التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة والنكتة فيه التخلص إلى ذكر صفة الربوبية وتسجيل انه تعالى هو رب هؤلاء المشركين الذين اتخذوا له أندادا فان وجه الكلام في الحقيقة إليهم وان كان المخاطب به هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم دونهم ولتكون هذه التسمية وهى في مفتتح الكلام مبدء لما سيذكر في السورة من الحجة على توحيد الربوبية.
قوله تعالى: " إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض " العزة تقابل الذلة قال الراغب العزة حالة مانعة للانسان من أن يغلب من قولهم ارض عزاز أي صلبة قال تعالى: " أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " وتعزز اللحم اشتد وعز كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه انتهى موضع الحاجة.
فعزة العزيز هي كونه بحيث يصعب نيله والوصول إليه ومنه عزيز القوم وهو الذي يقهر ولا يقهر لأنه ذو مقام لا يصل إليه من قصده دون ان يمنع قبل الوصول إليه ويقهر ومنه العزيز لما قل وجوده لصعوبة نيله ومنه العزيز بمعنى الشاق لان الذي يشق على الانسان يصعب حصوله قال تعالى: " عزيز عليه ما عنتم " التوبة: 128 ومنه قوله: " وعزني في الخطاب " ص: 23 أي غلبني على ما فسر به.
والله سبحانه عزيز لأنه الذات الذي لا يقهره شئ من جهة وهو يقهر كل شئ من كل جهة ولذلك انحصرت العزة فيه تعالى فلا توجد عند غيره الا باكتساب منه
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»
الفهرست