تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٤
الحياة الدنيا وما يكتسبه الانسان في الدنيا من ناحية الأعمال الحيوية من حسنة أو سيئة ولا مفر للانسان من هذه الأعمال لما عنده من حب الحياة الفطري.
وهذه الأعمال أعني السنة التي يستن بها الانسان في حياته الدنيا الكاسبة له التقوى أو الفجور والحسنة أو السيئة هي التي تسمى في كتاب الله دينا وسبيلا فلا مفر للانسان من سنة حسنة أو سيئة ودين حق أو باطل.
ولما كان من سنة الله سبحانه الجارية ان يهدى كل نوع من الأنواع إلى سعادته وكماله ومن كمال الانسان وسعادته ان يعيش عيشة اجتماعية ويستن بسنة حيوية شرع الله سبحانه له دينا مبنيا على فطرته التي فطر عليها وهو سبيل الله الذي يسلكه ودينه الذي يتدين به فان جرى على ما شرعته له الربوبية وهدته إليه الفطرة فقد سلك سبيل الله وابتغاه مستقيما وان اتبع الهوى وصد نفسه عن سبيل الله واشتغل بما يزينه له الشيطان فقد ابتغى سبيل الله عوجا منحرفا.
اما انه يبتغى سبيل الله فان الله هو الذي فطره على طلب السبيل وابتغاء الصراط ولا يهدى البتة الا إلى ما يرتضيه وهو سبيل نفسه وأما أنه منحرف ذو عوج فلانه لا يهدى إلى الحق وما ذا بعد الحق الا الضلال؟ والآيات القرآنية الدالة على هذا الذي قدمناه متكاثرة لا حاجة إلى ايرادها.
إذا عرفت هذا لاح لك ان قوله في تفسير الكافرين الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة مفاده انهم يتعلقون تمام التعلق بالحياة الدنيا ويعرضون عن الآخرة بنفيها وهو الكفر بالمعاد المستلزم للكفر بالتوحيد والنبوة.
وقوله ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا مفاده انهم يكفون أنفسهم عن الاستنان بسنة الله والتدين بدينه أو يصدون ويصرفون الناس عن الايمان بالله واليوم الآخر والتشرع بشريعته عنادا منهم للحق ويطلبون سنة الله عوجا ومنحرفة بالاستنان بغيرها من سنة اجتماعية ايا ما كانت ثم سجل عليهم الضلال بقوله سبحانه: أولئك في ضلال بعيد.
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»
الفهرست