وفي الجملة أعني قوله: (وما أمر فرعون برشيد) وضع الظاهر موضع المضمر والأصل (أمره) ولعل الفائدة فيه ما يفيده اسم فرعون من الدليل على عدم رشد الامر ولا يستفاد ذلك من الضمير البتة.
قوله تعالى: (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود) أي يقدم فرعون قومه فإنهم اتبعوا أمره فكان إماما لهم من أئمة الضلال، قال تعالى:
(وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) القصص: 41 وقوله: (فأوردهم النار) تفريع على سابقه أي يقدمهم فيوردهم النار، والتعبير بلفظ الماضي لتحقق الوقوع، وربما قيل: تفريع على قوله: (فاتبعوا أمر فرعون) أي اتبعوه فأوردهم الاتباع النار وقد استدل لتأييد هذا المعنى بقوله:
(وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) المؤمن: 46 حيث تدل الآيات على تعذيبهم من حين الموت قبل يوم القيامة هذا، ولا يخفى ان الآيات ظاهرة في خلاف ما استدل بها عليه لتعبيرها في العذاب قبل يوم القيامة بالعرض غدوا وعشيا، وفي يوم القيامة بالدخول في أشد العذاب الذي سجل فيها أنه النار.
وقوله: (وبئس الورد المورود) الورد هو الماء الذي يرده العطاش من الحيوان والانسان للشرب، قال الراغب في المفردات: الورود أصله قصد الماء ثم يستعمل في غيره يقال: وردت الماء أرد ورودا فأنا وارد والماء مورود. وقد أوردت الإبل الماء قال: (ولما ورد ماء مدين) والورد الماء المرشح للورود. انتهى.
وعلى هذا ففي الكلام استعارة لطيفة بتشبيه الغاية التي يقصدها الانسان في الحياة لمساعيه المبذولة بالماء الذي يقصده العطشان فعذب السعادة التي يقصدها الانسان بأعماله ورد يرده، وسعادة الانسان الأخيرة هي رضوان الله والجنة لكنهم لما غووا باتباع أمر فرعون وأخطأوا سبيل السعادة الحقيقية تبدلت غايتهم إلى النار فكانت النار هو الورد الذي يردونه، وبئس الورد المورود، لان الورد هو الذي يخمد لهيب الصدر ويروى الحشا العطشان وهو عذب الماء ونعم المنهل السائغ وأما إذا تبدل إلى عذاب النار فبئس الورد المورود.