بالحرمان من الانطلاق والاسترسال ليسعدوا لذلك بنيل بعض مشتهياتهم وإحياء البعض الباقي من حريتهم.
فالانسان الاجتماعي لا حرية له قبال المسائل الحيوية التي تدعو إليه مصالح المجتمع ومنافعه، والذي يتحكمه الحكومة في ذلك من الأمر والنهي ليس من الاستعباد والاستكبار في شئ إذ إنها إنما يتحكم فيما لا حرية للانسان الاجتماعي فيه، وكذا الواحد من الناس المجتمعين إذا رأى من أعمال إخوانه المجتمعين ما يضر بحال المجتمع أو لا ينفع لابطاله ركنا من أركان المصالح الأساسية فيها فبعثه ذلك إلى وعظهم بما يرشدهم إلى اتباع سبيل الرشد فأمرهم بما يجب عليهم العمل به ونهاهم عن اقتراف ما يجب عليهم الانتهاء عنه لم يكن هذا الواحد متحكما عن هوى النفس مستعبدا للأحرار المجتمعين من بنى نوعه فإنه لا حرية لهم قبال المصالح العالية والاحكام اللازمة المراعاة في مجتمعهم، و ليس ما يلقيه إليهم من الأمر والنهي في هذا الباب أمرا أو نهيا له في الحقيقة بل كان أمرا ونهيا ناشئين عن دعوة المصالح المذكورة قائمين بالمجتمع من حيث هو مجتمع بشخصيته الوسيعة، وإنما الواحد الذي يلقى إليهم الأمر والنهي بمنزلة لسان ناطق لا يزيد على ذلك.
وامارة ذلك أن يأتمر هو نفسه بما يأمر به وينتهى هو نفسه عما ينهى عنه من غير أن يخالف قوله فعله ونظره عمله، إذ الانسان مطبوع على التحفظ على منافعه ورعاية مصالحه فلو كان فيما يدعو إليه غيره من العمل خير وهو مشترك بينهما لم يخالفه بشخصه، ولم يترك لنفسه ما يستحسنه لغيره، ولذلك قال عليه السلام فيما ألقاه إليهم من الجواب: (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) وقال أيضا كما حكاه الله تتميما للفائدة ودفعا لأي تهمة تتوجه إليه: (وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين) الشعراء: 180.
فهو عليه السلام يشير بقوله: (وما أريد ان أخالفكم) الخ، إلى أن الذي ينهاهم عنه من الأمور التي فيها صلاح مجتمعهم الذي هو أحد افراده، ويجب على الجميع مراعاتها وملازمتها، وليس اقتراحا استعباديا عن هوى من نفسه، ولذلك عقبه بقوله: (إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت).
وملخص المقام أنهم لما سمعوا من شعيب عليه السلام الدعوة إلى ترك عبادة الأصنام