تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٠ - الصفحة ٣٦٣
وقوله: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) قال الراغب: العيث والعثى يتقاربان نحو جذب وجبذ إلا ان العيث أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حسا والعثى فيما يدرك حكما يقال: عثى يعثى عثيا، وعلى هذا (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) وعثا يعثو عثوا. انتهى.
وعلى هذا فقوله: (مفسدين) حال من ضمير (لا تعثوا) لإفادة التأكيد نظير ما يفيده قولنا: لا تفسدوا إفسادا.
والجملة أعني قوله: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) نهى مستأنف عن الفساد في الأرض من قتل أو جرح أو أي ظلم مالى أو جاهي أو عرضى لكن لا يبعد ان يستفاد من السياق كون الجملة عطفا تفسيريا للنهي السابق فيكون نهيا تأكيديا عن التطفيف ونقص المكيال والميزان لأنه من الفساد في الأرض.
بيان ذلك: ان الاجتماع المدني الدائر بين افراد النوع الانساني مبنى على المبادلة حقيقة فما من مواصلة ومرابطة بين فردين من افراد النوع إلا وفيه إعطاء واخذ فلا يزال المجتمعون يتعاونون في شؤون حياتهم يفيد فيه الواحد غيره ليستفيد منه ما يماثله أو يزيد عليه، ويدفع إليه نفعا ليجذب منه إلى نفسه نفعا وهو المعاملة والمبادلة.
ومن أظهر مصاديق هذه المبادلة المعاملات المالية وخاصة في الأمتعة التي لها حجم أو وزن مما يكتال أو يوزن فإن ذلك من أقدم ما تنبه الانسان لوجوب إجراء سنة المبادلة فيه.
فالمعاملات المالية وخاصة البيع والشرى من أركان حياة الانسان الاجتماعية يقدر الواحد منهم ما يحتاج إليه في حياته الضرورية بالكيل أو الوزن، وما يجب عليه ان يبذله في حذائه من الثمن ثم يسير في حياته بانيا لها على هذا التقدير والتدبير.
فإذا خانه معامله ونقص المكيال والميزان من حيث لا يشعر هو فقد أفسد تدبيره وأبطل تقديره، واختل بذلك نظام معيشته من الجهتين معا من جهة ما يقتنيه من لوازم الحياة بالاشتراء ومن جهة ما يبذله من الثمن الزائد الذي يتعب نفسه في تحصيله بالاكتساب فيسلب إصابة النظر وحسن التدبير في حياته ويتخبط في مسيرها خبط العشواء وهو الفساد.
وإذا شاع ذلك في مجتمع فقد شاع الفساد فيما بينهم ولم يلبثوا دون ان يسلبوا
(٣٦٣)
مفاتيح البحث: القتل (1)، البيع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة يونس 5
2 سورة هود 134
3 (25 - 35) كلام في قدرة الأنبياء والأولياء (بحث فلسفي قرآني) 210
4 (36 - 49) أبحاث حول قصة نوح في فصول (بحث قرآني روائي) 247
5 1 - الإشارة إلى قصته (بحث تاريخي فلسفي) 247
6 2 - قصته عليه السلام في القرآن: 248
7 بعثه وإرساله، دينه وشريعته 248
8 لبثه في قومه، صنعه الفلك 249
9 نزول العذاب ومجئ الطوفان 250
10 قضاء الأمر ونزوله ومن معه إلى الأرض 250
11 قصة ابن نوح الغريق 250
12 3 - خصائص نوح عليه السلام 251
13 4 - قصته في التوراة الحاضرة 252
14 5 - ما جاء في أمر الطوفان في أخبار الأمم وأساطيرهم 257
15 6 - هل كانت نبوته عامة للبشر؟ 259
16 7 - هل الطوفان كان عاما لجميع الأرض؟ 264
17 بحث جيلوجي ملحق بهذا الفصل في فصول 1 - الأراضي الرسوبية 266
18 2 - الطبقات الرسوبية أحدث القشور والطبقات الجيلوجية 267
19 3 - انبساط البحار واتساعها 268
20 4 - العوامل المؤثرة في ازدياد المياه وغزارة عملها في عهد الطوفان 269
21 5 - نتيجة البحث 270
22 6 - عمره عليه السلام الطويل 270
23 7 - أين هو جبل الجودي؟ 271
24 8 - شبهة وجوابها 271
25 (36 - 49) كلام في عبادة الأصنام وفيه فصول (بحث قرآني روائي) 1 - الانسان واطمئنانه إلى الحس (تاريخي فلسفي) 272
26 2 - الإقبال إلى الله بالعبادة 274
27 3 - كيف نشأت الوثنية؟ 275
28 4 - اتخاذ الأصنام لأرباب الأنواع وغيرهم 277
29 5 - الوثنية الصابئة 278
30 6 - الوثنية البرهمية؟ 279
31 7 - الوثنية البوذية 283
32 8 - وثنية العرب 285
33 9 - دفاع الاسلام عن التوحيد ومنازلته الوثنية 287
34 10 - بناء سيرة النبي على التوحيد ونفي الشركاء 290
35 كلام آخر ملحق بالكلام السابق في فصول 290
36 1 - التناسخ عند الوثنيين 290
37 2 - سريان هذه المحاذير إلى سائر الأديان 293
38 3 - إصلاح الاسلام لهذه المفاسد 294
39 4 - إشكال الاستشفاع والتبرك في الاسلام 295
40 كلام في قصة هود (بحث تاريخي قرآني) 307
41 1 - عاد قوم هود 307
42 2 - شخصية هود المعنوية 308
43 كلام في قصة صالح في فصول (بحث تاريخي قرآني) 317
44 1 - ثمود قوم صالح عليه السلام 2 - بعثة صالح 317
45 3 - شخصية صالح 318
46 كلام في قصة البشرى (بحث قرآني) 332
47 كلام في قصة لوط وقومه في فصول: (بحث قرآني تاريخي) 352
48 1 - قصته وقصة قومه في القرآن 352
49 2 - عاقبة أمرهم 353
50 3 - شخصية لوط المعنوية 4 - لوط وقومه في التوراة 354
51 (82 - 95) كلام في معنى حرية الانسان في عمله 370
52 (82 - 95) كلام في قصة شعيب وقومه في القرآن في فصول: (بحث قرآني تاريخي) 377
53 1 - قصته عليه السلام 377
54 2 - شخصيته المعنوية 3 - ذكره في التوراة 378