(بيان) تذكر الآيات قصة شعيب عليه السلام وقومه وهم أهل مدين، وكانوا يعبدون الأصنام، وكان قد شاع التطفيف في الكيل والوزن عندهم واشتد الفساد فيهم فأرسل الله سبحانه شعيبا عليه السلام إليهم فدعاهم إلى التوحيد وتوفية الميزان والمكيال بالقسط وترك الفساد في الأرض، وبشرهم وأذرهم وبالغ في عظتهم وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: كان شعيب خطيب الأنبياء.
فلم يجبه القوم إلا بالرد والعصيان، هددوه بالرجم والطرد من بينهم وبالغوا في إيذائه وإيذاء شرذمة من الناس آمنوا به وصدهم عن سبيل الله وداموا على ذلك حتى سأل الله أن يقضى بينه وبينهم فأهلكهم الله تعالى.
قوله تعالى: (وإلى مدين أخاهم شعيبا) إلى آخر الآية عطف على ما تقدمه من قصص الأنبياء وأممهم، ومدين اسم مدينة كان يسكنها قوم شعيب ففي نسبة إرسال شعيب إلى مدين وكان مرسلا إلى أهله نوع من المجاز في الاسناد كقولنا:
جرى الميزاب، وفي عد شعيب عليه السلام أخا لهم دلالة على أنه كان ينتسب إليهم.
وقوله: (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) تقدم تفسيره في نظائره.
وقوله: (ولا تنقصوا المكيال والميزان) المكيال والميزان اسما آلة بمعنى ما يكال به وما يوزن به، ولا يوصفان بالنقص وإنما يوصف بالنقص كالزيادة والمساواة المكيل والموزون فنسبة النقص إلى المكيال والميزان من المجاز العقلي.
وفي تخصيص نقص المكيال والميزان من بين معاصيهم بالذكر دلالة على شيوعه بينهم وإقبالهم عليه وإفراطهم فيه بحيث ظهر فساده وبان سئ اثره فأوجب ذلك شدة اهتمام به من داعى الحق فدعاهم إلى تركه بتخصيصه بالذكر من بين المعاصي.
وقوله: (إني أراكم بخير) أي أشاهدكم في خير، وهو ما أنعم الله تعالى عليكم من المال وسعة الرزق والرخص والخصب فلا حاجة لكم إلى نقص المكيال والميزان، واختلاس اليسير من أشياء الناس طمعا في ذلك من غير سبيله المشروع وظلما وعتوا، وعلى هذا فقوله: (إني أراكم بخير) تعليل لقوله: (ولا تنقصوا المكيال والميزان).