ويمكن تعميم الخير بأن يراد به أنكم مشمولون لعناية الله معنيون بنعمه آتاكم عقلا ورشدا ورزقكم رزقا فلا مسوغ لان تعبدوا الالهة من دونه وتشركوا به غيره، وأن تفسدوا في الأرض بنقص المكيال والميزان، وعلى هذا يكون تعليلا لما تقدمه من الجملتين أعني قوله: (اعبدوا الله) الخ، وقوله: (ولا تنقصوا) الخ، كما أن قوله: (وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) كذلك.
فمحصل قوله: (إني أراكم) إلى آخر الآية أن هناك رادعين يجب أن يردعاكم عن معصية الله: أحدهما: أنكم في خير ولا حاجة لكم إلى بخس أموال الناس من غير سبيل حلها. وثانيهما: أن وراء مخالفة أمر الله يوما محيطا يخاف عذابه.
وليس من البعيد أن يراد بقوله: (إني أراكم بخير) أنى أراكم برؤية خير أي أنظر إليكم نظر الناصح المشفق الذي لا يصاحب نظره إلا الخير ولا يريد بكم غير السعادة، وعلى هذا يكون قوله: (وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) كعطف التفسير بالنسبة إليه.
وقوله: (وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) يشير به إلى يوم القيامة أو يوم نزول عذاب الاستئصال ومعنى كون اليوم - وهو يوم القضاء بالعذاب - محيطا أنه لا مخرج منه ولا مفر ولا ملاذ من دون الله فلا يدفع فيه ناصر ولا معين، ولا ينفع فيه توبة ولا شفاعة، ويؤل معنى الإحاطة إلى كون العذاب قطعيا لا مناص منه، ومعنى الآية أن للكفر والفسوق عذابا غير مردود أخاف أن يصيبكم ذلك.
قوله تعالى: (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم) الخ، الايفاء إعطاء الحق بتمامه والبخس النقص كرر القول في المكيال والميزان بالأخذ بالتفصيل بعد الاجمال مبالغة في الاهتمام بأمر لا غنى لمجتمعهم عنه، وذلك أنه دعاهم اولا إلى الصلاح بالنهي عن نقص المكيال والميزان، وعاد ثانيا فأمر بايفاء المكيال والميزان ونهى عن بخس الناس أشياءهم إشارة إلى أن مجرد التحرز عن نقص المكيال والميزان لا يكفي في إعطاء هذا الامر حقه - وإنما نهى عنه اولا لتكون معرفة إجمالية هي كالمقدمة لمعرفة التكليف تفصيلا - بل يجب أن يوفى الكائل والوازن مكياله وميزانه ويعطياهما حقهما ولا يبخسا ولا ينقصا الأشياء المنسوبة إلى الناس بالمعاملة حتى يعلما انهما اديا إلى الناس أشياءهم وردا إليهم مالهم على ما هو عليه.