والخامسة ما في سورة الذاريات: 24 - 30 قوله تعالى: (هل اتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين. إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين. فقربه إليهم قال الا تأكلون. فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم. قالوا كذلك قال ربك انه هو الحكيم العليم).
ويقع البحث في قصة البشرى من وجوه:
أحدها: أنها هل هي بشرى واحدة وهى المشتملة على بشرى إبراهيم وسارة بإسحاق ويعقوب وقد وقعت قبيل هلاك قوم لوط أو انها قصتان: إحداهما تشتمل على البشرى بإسماعيل والاخرى تتضمن البشرى بإسحاق ويعقوب.
ربما رجح الثاني بناء على أن ما وقع من القصة في سورة الذاريات صريح في تقديم العجل المشوى، وأن إبراهيم خافهم لما امتنعوا من الاكل ثم بشروه وامرأته العجوز العقيم وهى سارة أم إسحاق قطعا، وذيل الآيات ظاهر في كون ذلك بعد إهلاك قوم لوط حيث يقول الملائكة: إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين - إلى أن قالوا - فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم) الآيات ونظير ذلك ما في سورة هود وقد قال فيها الملائكة لإزالة الروع عن إبراهيم ابتداء. إنا أرسلنا إلى قوم لوط.
وأما ما في سورة الحجر فليس يتضمن حديث تقديم العجل المشوى بل ظاهره أن إبراهيم وأهله خافوهم لدى دخولهم عليه فأسكنوا رعبه بالبشارة كما يقول تعالى:
(إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قالوا لا توجل انا نبشرك بغلام عليم) وذيل الآيات ظاهر في كون ذلك قبل هلاك لوط.
ونظيره ما في سورة العنكبوت من القصة وهى أظهر في كون ذلك قبل الهلاك ويتضمن جدال إبراهيم في قوم لوط، وقد تقدمت في البحث الروائي السابق حديث العياشي في هذا المعنى.
لكن الحق أن الآيات في جميع السور الأربع سورة هود والحجر والعنكبوت والذاريات إنما تقص قصة البشارة بإسحاق ويعقوب دون إسماعيل.