انتهى، فالعمارة تحويل الأرض إلى حال تصلح بها أن ينتفع من فوائدها المترقبة منها كعمارة الدار للسكنى والمسجد للعبادة والزرع للحرث والحديقة لاجتناء فاكهتها والتنزه فيها والاستعمار هو طلب العمارة بأن يطلب من الانسان أن يجعل الأرض عامرة تصلح لان ينتفع بما يطلب من فوائدها.
وعلى ما مر يكون معنى قوله: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) - والكلام يفيد الحصر - أنه تعالى هو الذي أوجد على المواد الأرضية هذه الحقيقة المسماة بالانسان ثم كملها بالتربية شيئا فشيئا وأفطره على أن يتصرف في الأرض بتحويلها إلى حال ينتفع بها في حياته، ويرفع بهاما يتنبه له من الحاجة والنقيصة أي إنكم لا تفتقرون في وجودكم وبقائكم إلا إليه تعالى وتقدس.
فقول صالح: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) في مقام التعليل وحجة يستدل بها على ما ألقاه إليهم من الدعوة بقوله: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ولذلك جئ بالفصل كأنه قيل له: لم نعبده وحده؟ فقال:
لأنه هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها.
وذلك لانهم إنما كانوا يعبدون الأوثان ويتخذونها شركاء لله تعالى لانهم كانوا يقولون - على مزعمتهم - إن الله سبحانه أعظم من أن يحيط به فهم وأرفع وأبعد من أن تناله عبادة أو ترتفع إليه مسألة، ولا بد للانسان من ذلك فمن الواجب أن نعبد بعض مخلوقاته الشريفة التي فوض إليه أمر هذا العالم الأرضي وتدبير النظام الجاري فيه ونتقرب بالتضرع إليه حتى يرضى عنا فينزل علينا الخيرات، ولا يسخط علينا ونأمن بذلك الشرور، وهذا الاله الرب بالحقيقة شفيعنا عند الله لأنه إله الالهة ورب الأرباب، وإليه يرجع الامر كله.
فدين الوثنية مبنى على انقطاع النسبة بين الله سبحانه وبين الانسان واستقرارها بينه وبين تلك الوسائط الشريفة التي يتوجهون إليها مع استقلال هذه الوسائط في التأثير، وشفاعتها عند الله.
ولما كان الله تعالى هو الذي أنشأ الانسان من الأرض واستعمره فيها فهو تعالى ذو نسبة إلى الانسان قريب منه، ولا استقلال لشئ من هذه الأسباب التي