وعصوا رسل ربهم وهم هود ومن قبله من الرسل فإن عصيان الواحد منهم عصيان للجميع فكلهم يدعون إلى دين واحد فهم إنما عصوا شخص هود وعصوا بعصيانه سائر رسل الله وهو ظاهر قوله في موضع آخر: (كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون) الشعراء: 124. ويشعر به أيضا قوله:
(واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه) الأحقاف: 21، ومن الممكن أن يكون لهم رسل آخرون بعثوا إليهم فيما بين هود ونوح عليهما السلام لم يذكروا في الكتاب العزيز لكن سياق الآيات لا يساعد على ذلك.
واتبعوا أمر كل جبار عنيد من جبابرتهم فألهاهم ذلك عن اتباع هود وما كان يدعو إليه، والجبار العظيم الذي يقهر الناس بإرادته ويكرههم على ما أراد والعنيد الكثير العناد الذي لا يقبل الحق، فهذا ملخص حالهم وهو الجحد بالآيات وعصيان الرسل وطاعة الجبابرة.
ثم ذكر الله وبال أمرهم بقوله: (وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة) أي وأتبعهم الله في هذه الدنيا لعنة وإبعادا من الرحمة، ومصداق هذا اللعن العذاب الذي عقبهم فلحق بهم، أو الآثام والسيئات التي تكتب عليهم ما دامت الدنيا فإنهم سنوا سنة الاشراك والكفر لمن بعدهم، قال تعالى: (ونكتب ما قدموا وآثارهم) يس: 12.
وقيل: المعنى لحقت بهم لعنة في هذه الدنيا فكان كل من علم بحالهم من بعدهم، ومن أدرك آثارهم، وكل من بلغهم الرسل من بعدهم خبرهم يلعنونهم.
وأما اللعنة يوم القيامة فمصداقه العذاب الخالد الذي يلحق بهم يومئذ فإن يوم القيامة يوم جزاء لا غير.
وفي تعقيب قوله في الآية: (واتبعوا) بقوله: (وأتبعوا) لطف ظاهر.
قوله تعالى: (ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود) أي كفروا بربهم فهو منصوب بنزع الخافض وهذا هو التلخيص الثاني الذي أشرنا إليه لخص به