قولهم: (ما جئتنا ببينة) ومن المستبعد جدا أن يهمل النبي هود عليه السلام في دعوته وحجته التعرض للجواب عنه مع كون هذا التحدي والتعجيز صالحا في نفسه لان يتخذ آية معجزة كما أن التبري من الشركاء من دون الله صالح لان يكشف عن عدم كونهم آلهة من دون الله وعن أن بعض آلهتهم لم يعتره بسوء.
فالحق أن قوله: (إني أشهد الله واشهدوا) إلى آخر الآيتين مشتمل على حجة عقلية على بطلان ألوهية الشركاء، وعلى آية معجزة لصحة رسالة هود عليه السلام.
وفي قوله (جميعا) إشارة إلى أن مراده تعجيزهم وتعجيز آلهتهم جميعا فيكون أتم دلالة على كونه على الحق وكونهم على الباطل.
قوله تعالى: (إني توكلت على الله ربى وربكم) إلى آخر الآية. لما كان الامر الذي في صورة التعجيز صالحا لان يكون بداعي إظهار عجز الخصم وعدم قدرته، وصالحا لان يصدر بداعي أن الامر لا يخاف الخصم وإن كان الخصم قادرا على الاتيان بما يؤمر به لكنه غير قادر على تخويفه وإكراهه على الطاعة وحمله على ما يريد منه كقول السحرة لفرعون: (فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا) طه: 72.
وكان قوله: (فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون) محتملا لان يكون المراد به إظهار أنه لا يخافهم وإن فعلوا به ما فعلوا، عقبه لدفع هذا الاحتمال بقوله: (إني توكلت على الله ربى وربكم) فذكر أنه متوكل في أمره على الله الذي هو يدبر أمره وأمرهم ثم عقبه بقوله: (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم) فذكر أنه ناجح في توكله هذا فإن الله محيط بهم جميعا قاهر لهم يحكم على سنة واحدة هي نصرة الحق وإظهاره على الباطل إذا تقابلا وتغالبا.
فتبريه من أصنامهم وتعجيزهم على ما هم عليه من الحال بقوله: (فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون) ثم لبثه بينهم في عافية وسلامة لا يمسونه بسوء ولا يستطيعون أن ينالوه بشر آية معجزة وحجة سماوية على أنه رسول الله إليهم.
وقوله: (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم) الدابة كل ما يدب في الأرض من أصناف الحيوان، والاخذ بالناصية كناية عن كمال