تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٩٩
قوله تعالى: " والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين " قال في المجمع: أمسك ومسك وتمسك واستمسك بالشئ بمعنى واحد أي اعتصم به. انتهى.
وتخصيص إقامة الصلاة بالذكر من بين سائر أجزاء الدين لشرفها وكونها ركنا من الدين يحفظ بها ذكر الله والخضوع إلى مقامه الذي هو بمنزله الروح الحية في هيكل الشرائع الدينية.
والآية تعد التمسك بالكتاب اصلاحا والاصلاح يقابل الافساد وهو الافساد في الأرض أو إفساد المجتمع البشري فيها، ولا تفسد الأرض ولا المجتمع البشري إلا بإفساد طريقة الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والدين الذي يشتمل عليه الكتاب الإلهي النازل في عصر من الاعصار هو المتضمن لطرق الفطرة بحسب ما يستدعيه استعداد أهله فإن الله سبحانه يذكر في كلامه أن الدين القيم الذي يقوم بحوائج الحياة هي الفطرة التي فطر الناس عليها، والخلقة التي لا حقيقة لهم وراءها قال: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون " الروم: 30 ثم قال: " إن الدين عند الله الاسلام " آل عمران: 19 والاسلام هو التسليم لله سبحانه في سنته الجارية في تكوينه المبتنية عليها تشريعه.
فالآيتان - كما ترى - تناديان بأن دين الله سبحانه هو تطبيق الانسان حياته على ما تقتضيه فيه قوانين التكوين ونواميسه حتى يقف بذلك موقفا تتحراه نفسية النوع الانساني ثم يسير في مسيرها أي يعود بذلك إنسانا نسميه إنسانا طبيعيا ويتربى تربية يستدعيها ذاته بحسب ما ركب عليه تركيبه الطبيعي.
فما تقتضيه نفسية الانسان الطبيعية من الخضوع إلى المبدأ الغيبي الذي يقوم بإيجاده وإبقائه وإسعاده، وتوفيق شؤون حياته مع القوانين الحاكمة في الكون حكومة حقيقية هو الدين المسمى بالاسلام الذي يدعوا إليه القرآن وسائر كتب الله السماوية المنزلة على أنبيائه ورسله.
فإصلاح شؤون الحياة الانسانية وتخليصها من كل دخيل خرافي، ووضع الاصر
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»
الفهرست