المحرم لكنهم اقترفوا معصية هي أعظم من ذلك وهو ترك النهي عن المنكر، وقد نبههم الناهون بذلك إذ قالوا: معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون، وكلامهم يدل على أن المقام لم يكن مقام اليأس عن تأثير الموعظة حتى يسقط بذلك التكليف، ولما يئس منهم الناهون هجروهم وفارقوهم، ولم يهجرهم الآخرون ولم يفارقوهم على ما في الروايات.
على أن الله تعالى قال: " أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون " فلم يذكر في جانب النجاة إلا الذين ينهون عن السوء وأخذ في جانب الاخذ الذين ظلموا دون الذين صادوا، ولا مانع من شمول " الذين ظلموا " لأولئك التاركين للنهي عن المنكر.
وأما قوله: " فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة " فإن كان معناه عتوا عن ترك ما نهوا عنه كما تقدم عن المفسرين كان هذا العذاب بحسب دلالة هذه الآية مختصا بالصائدين لكنها لا تمنع عموم الآية السابقة للصائدين والساكتين جميعا لاشتراكهم في الظلم والفسق، وإن كان معنى الآية الاعراض عما نهوا عنه من غير تقدير الترك وما بمعناه اختصت الآية ببيان عذاب الساكتين وكان عذاب الصائدين مبينا في الآية السابقة:
" فلما نسوا ما ذكروا به " الآية كما يومئ إليه بعض الروايات الآتية.
وفي المجمع: أنه هلكت الفرقتان، ونجت الفرقة الناهية. روى ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام.
أقول: ولا ينافيه نص الآية على مسخ العاتين فإن الهلاك يعم مثل المسخ.
على أن الاخبار متظافرة في أن الممسوخ لا يعيش بعد المسخ إلا أياما ثم يهلك.
وفي الكافي عن سهل بن زياد عن عمرو بن عثمان عن عبد الله بن المغيرة عن طلحة بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: " فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء " قال: كانوا ثلاثة أصناف: صنف ائتمروا وأمروا ونجوا، وصنف ائتمروا ولم يأمروا فمسخوا، وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا فهلكوا.
أقول: والرواية - كما ترى - مبنية على كون قوله: " فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة " الآية ناظرا إلى عذاب الساكتين دون المرتكبين للصيد المحرم