تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٩٦
وفيه دلالة على أن اللائمين كانوا مشاركين للعادين في ظلمهم وفسقهم حيث تركوا عظتهم ولم يهجروهم.
وفي الآية دلالة على سنة إلهية عامة وهي أن عدم ردع الظالمين عن ظلمهم بمنع، وعظة إن لم يمكن المنع أو هجره إن لم تمكن العظة أو بطل تأثيرها، مشاركة معهم في ظلمهم، وأن الاخذ الإلهي الشديد كما يرصد الظالمين كذلك يرصد مشاركيهم في ظلمهم.
قوله تعالى: " فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين " العتو المبالغة في المعصية والقردة جمع القرد وهو الحيوان المعروف، والخاسئ الطريد البعيد من خسأ الكلب إذا بعد.
وقوله: " فلما عتوا عن ما نهوا عنه " أي أن ترك ما نهوا عنه فإن العتو إنما يكون عن ترك المنهيات لا عن نفسها، والباقي ظاهر.
قوله تعالى: " وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة " إلى آخر الآية تأذن وأذن بمعنى أعلم، واللام في قوله: " ليبعثن " للقسم، والمعنى: واذكر إذ أعلم ربك أنه قد أقسم ليبعثن على هؤلاء الظالمين بعثا يدوم عليهم ما دامت الدنيا من يذيقهم ويوليهم سوء العذاب.
وقوله: " إن ربك لسريع العقاب " معناه أن من عقابه ما يسرع إلى الناس كعقاب الطاغي لطغيانه، قال تعالى: " الذين طغوا في البلاد - إلى أن قال - إن ربك لبالمرصاد " الفجر: 14 والدليل على ما فسرنا به قوله بعده: " وإنه لغفور رحيم " فإن الظاهر أنه لم يؤت به إلا للدلالة على أنه تعالى ليس بسريع العقاب دائما وإلا فمضمون الآية ليس مما يناسب التذليل باسمي الغفور والرحيم لتمحضه في معنى المؤاخذة والانتقام فمعنى قوله: " إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم " أنه تعالى غفور للذنوب رحيم بعباده لكنه إذا قضى لبعض عباده بالعقاب لاستيجابهم ذلك بطغيان وعتو ونحو ذلك فسرعان ما يتبعهم إذ لا مانع يمنع عنه ولا عائق يعوقه.
ولعل هذا هو معنى قول بعضهم: إن معنى قوله " إن ربك لسريع العقاب "
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»
الفهرست